للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقُ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ مَاتَ فَأَدَّاهَا وَارِثُهُ جَازَ (وَقِيلَ مُضَيَّقًا فِي يَوْمِ الْفِطْرِ عَيْنًا) فَبَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي تَحْرِيرِهِ وَرَجَّحَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ (عَلَى كُلِّ) حُرٍّ (مُسْلِمٍ) وَلَوْ صَغِيرًا مَجْنُونًا،

ــ

[رد المحتار]

فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ بِقَوْلِهِمْ وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ (قَوْلُهُ: مُطْلَقُ) أَيْ عَنْ الْوَقْتِ فَتَجِبُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا أَوْ آخِرَ الْعُمْرِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَافْتِرَاضُهَا عُمْرِيٌّ إلَخْ (قَوْلُهُ: جَازَ) فِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ فِطْرَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَذْرٌ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَمْ يُجِيزُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ مُضَيِّقًا) مُقَابِلُ الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقْتَ أَدَائِهَا يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ سَقَطَتْ كَالْأُضْحِيَّةِ بَدَائِعُ، وَمِثْلُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ لَا الْمُطْلَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فَبَعْدَهُ قَضَاءً وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي بَحْرِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ أَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِمَا قَابَلَ الصَّحِيحَ. اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا قَضَاءً بِمُضِيِّ يَوْمِهَا غَيْرُ الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا بِهِ. وَقَدْ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْهُمَامِ نَفْسُهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمِ إذْ لَوْ تَقَيَّدَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْأُضْحِيَّةِ. اهـ.

وَمَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَيَجُوزُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ، فَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِلِاعْتِرَاضِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ وَعَلَى عَدَمِ التَّوْقِيتِ إذْ لَوْ كَانَ مُؤَقَّتًا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ وَهُوَ الْبَيْتُ، عَلَى أَنَّ قِيَاسَ تَعْجِيلِ الْفِطْرَةِ عَلَى الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْفَتْحِ فَافْهَمْ.

وَالْأَمْرُ فِي حَدِيثِ أَغْنُوهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ أَيْ تَحْرِيمًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَسَيَأْتِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ لِنُقْصَانِ ثَوَابِهَا فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ بِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي بَاقِي الْيَوْمِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُهُ فَهُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُ عِنْدَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الْيَوْمِ لَا بِمُضِيِّ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَبَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّضْيِيقِ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الْيَوْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُهَا وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ سِوَى ابْنِ الْهُمَامِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ فَفِي هَذَا التَّفْرِيعِ نَظَرٌ.

(قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى رَقِيقٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ، وَلَا عَلَى كَافِرٍ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا نَهْرٌ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ وَلَدٌ مُسْلِمٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا مَجْنُونًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ مَجْنُونًا بِالْعَطْفِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ، وَهَذَا لَوْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ.

وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، حَتَّى تَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>