حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَلِيُّهُمَا وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (ذِي نِصَابٍ فَاضِلٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) كَدَيْنِهِ وَحَوَائِجِ عِيَالِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ) كَمَا مَرَّ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا النِّصَابِ (تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) كَمَا مَرَّ، وَتَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ عَلَى الرَّاجِحِ
(وَ) إنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ النُّمُوُّ؛ لِأَنَّ (وُجُوبَهَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ) هِيَ مَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ (لَا) بِقُدْرَةٍ (مُيَسَّرَةٍ) هِيَ مَا يَجِبُ
ــ
[رد المحتار]
وَيُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَجِبُ فَيَضْمَنُهَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَوْ أَدَّيَاهَا مِنْ مَالِهِمَا اهـ وَكَمَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا تَجِبُ فِطْرَةُ رَقِيقِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ وَالْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَلِيُّهُمَا) أَيْ مِنْ مَالِهِمَا.
فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الصَّبِيَّ الْغَنِيَّ إذَا لَمْ يُخْرِجْ وَلِيُّهُ عَنْهُ فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ.
قُلْت: فَلَوْ كَانَا فَقِيرَيْنِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمَا بَلْ عَلَى مَنْ يَمُونُهُمَا كَمَا يَأْتِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ لَا يَلْزَمُهُمَا الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبُلُوغِ) أَيْ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فِي الْمَجْنُونِ ح.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْمُ) يُقَالُ نَمَا يَنْمِي وَيَنْمُو كَذَا فِي الْإِسْقَاطِيِّ فَهُوَ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ أَوْ الْوَاوِ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَغَنِيٌّ يَمْلِكُ قَدْرَ نِصَابٍ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) أَيْ الْوَاجِبَةُ أَمَّا النَّافِلَةُ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ سُؤَالُهَا، وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ الْمَذْكُورُ مُسْتَغْرَقًا بِحَاجَتِهِ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَلَا يَجِبُ بِهِ مَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَيْضًا وَغَنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ) أَيْ الْفُقَرَاءِ الْعَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ أَوْ الْإِنَاثِ إذَا كُنَّ فَقِيرَاتٍ، وَقُيِّدَ بِهِمْ لِإِخْرَاجِ الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمَا فِي نَفَقَتِهِ إذَا كَانَ كَسُوبًا
(قَوْلُهُ هِيَ مَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْوَاجِبِ الْمَشْرُوطِ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ بِكَسْرِ الْكَافِ الْمُشَدَّدَةِ، وَعَرَّفَهَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَأْمُورُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِسَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهَا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُمَا مِنْ الْآلَاتِ الَّتِي هِيَ وَسَائِطُ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ مَعَ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَجِّ بِدُونِهِمَا لَكِنْ بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فِي الْغَالِبِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَكَذَا النِّصَابُ الْغَيْرُ النَّامِي فِي الْفِطْرَةِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهَا بِدُونِهِ لَكِنْ بِحَرَجٍ فِي الْغَالِبِ.
قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَهَذِهِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ لِأَدَاءِ كُلِّ وَاجِبٍ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِدُونِهَا هِيَ مَا يَكُونُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ فَاشْتِرَاطُ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ قَبْلَ الْفِعْلِ يَكُونُ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا) أَيْ بَقَاءُ هَذِهِ الْقُدْرَةِ وَهِيَ النِّصَابُ هُنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَا تَسْقُطُ الْفِطْرَةُ، وَكَذَا هَلَاكُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ بِخِلَافِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُيَسِّرَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ (قَوْلُهُ هِيَ مَا يَجِبُ إلَخْ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَهِيَ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ مَا يُوجِبُ يُسْرَ الْأَدَاءِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْإِمْكَانُ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ فَهِيَ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، وَلِهَذَا شُرِطَتْ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي أَدَاؤُهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَذَلِكَ كَالنَّمَاءِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ بِهِ أَيْسَرَ حَيْثُ لَا يَنْقُصُ أَصْلُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَفُوتُ بَعْضُ النَّمَاءِ.
ثُمَّ الْقُدْرَةُ الْمُمْكِنَةُ لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَإِحْدَاثِهِ كَانَتْ شَرْطًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ إذْ الْبَقَاءُ غَيْرُ الْوُجُودِ وَشَرْطُ الْوُجُودِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْبَقَاءِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ لِلِانْعِقَادِ دُونَ الْبَقَاءِ، بِخِلَافِ الْمُيَسِّرَةِ فَإِنَّهَا شُرِطَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا غَيَّرَتْ صِفَةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ إذْ جَازَ أَنْ يَجِبَ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ لَكِنْ بِصِفَةِ الْعُسْرِ فَأَثَّرَتْ فِيهِ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ وَأَوْجَبَتْهُ بِصِفَةِ الْيُسْرِ فَيُشْتَرَطُ