بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِصِفَةِ الْيُسْرِ، فَغَيَّرْته مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَقَدْ حَرَّرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمَنَارِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَلَا تَسْقُطُ) الْفِطْرَةُ وَكَذَا الْحَجُّ (بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ) كَمَا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الشُّهُودِ (بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ لِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَيْسَرَةِ (عَنْ نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ لِعُذْرٍ (وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْآبَاءُ فَعَلَى كُلٍّ فِطْرَةٍ
ــ
[رد المحتار]
دَوَامُهَا نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْعِلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْيُسْرُ بِدُونِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ وَالْوَاجِبُ لَا يَبْقَى بِدُونِ صِفَةِ الْيُسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ بَقَاءُ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ دُونَ الْمُمْكِنَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّظَرِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إذْ الْفِعْلُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْإِمْكَانِ وَيُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْيُسْرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَغَيَّرَتْهُ إلَخْ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ بِصِفَةِ الْعُسْرِ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ كَمَا مَرَّ فَلَمَّا وَجَبَ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) أَيْ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا ط (قَوْلُهُ: ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْقُدْرَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَسْقُطُ الْفِطْرَةُ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْمُيَسِّرَةِ بَلْ بِالْمُمْكِنَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَجُّ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَهُوَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ قُدْرَةٌ مُمْكِنَةٌ إذْ الْمُيَسِّرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَرَاكِبَ وَأَعْوَانٍ وَخَدَمٍ وَلَيْسَتْ شَرْطًا بِالْإِجْمَاعِ ط.
(قَوْلُهُ كَمَا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَةَ شَرْطٌ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ، فَلَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِزَوَالِهَا بِخِلَافِ الْمُيَسِّرَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ، يَعْنِي سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ وَالْمُعَلَّقُ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ لَا يَبْقَى بِدُونِهَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ.
وَالْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ هُنَا هِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ لَا النِّصَابِ، وَقُيِّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ لِبَقَائِهَا تَقْدِيرًا زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَنَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجِ) أَيْ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَهُوَ كَالْعُشْرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَحْقِيقًا بِخِلَافِ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَا يَهْلَكُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ لِوُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِهِمَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ.
(قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمُيَسِّرَةِ) وَهِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلسَّبَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ رَأْسُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَصُمْ لِعُذْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُيِّدَ بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ حَالُ الْمُسْلِمِ مِنْ عَدَمِ تَرْكِهِ الصَّوْمَ إلَّا بِعُذْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتُ ظَنًّا بِالْمُسْلِمِ خَيْرًا، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْفِطْرَةُ وَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّأْسُ الَّذِي يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصُمْ كَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا وُجُودُ الصَّوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ يَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَطِفْلُهُ) احْتَرَزَ بِهِ الْجَنِينُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى طِفْلًا كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إذْ الطِّفْلُ هُوَ الصَّبِيُّ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ وَجَارِيَةُ طِفْلٍ وَطِفْلَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ إسْمَاعِيلُ فَافْهَمْ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَدَقَةُ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي.
(قَوْلُهُ: الْفَقِيرِ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فِي مَالِهِ عَلَى مَا مَرَّ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ) أَيْ الْفَقِيرُ أَمَّا الْغَنِيُّ فَفِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَعْتُوهَ وَالْمَجْنُونَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَارِضًا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَدَّدَ الْآبَاءُ) كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ لَقِيطًا أَوْ وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَعَلَى كُلٍّ فِطْرَةٌ) أَيْ كَامِلَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا وَثُبُوتُ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ وَلَدًا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَقَالَ