للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيلَ لَوْ قَالَ الصِّيَامُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ يَوْمٌ، وَلَوْ قَالَ: صِيَامٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: ١٩٦]- وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ لَهُ أَنْوَاعٌ عَلَى أَنَّ أَلْ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ. وَفُرِضَ بَعْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ لِعَشْرٍ فِي شَعْبَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ (هُوَ) لُغَةً

ــ

[رد المحتار]

غَيْرَ أَنَّهُ أَشَقُّ التَّكَالِيفِ عَلَى النُّفُوسِ فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ أَنْ يَبْدَأَ فِي التَّكَالِيفِ بِالْأَخَفِّ، وَهُوَ الصَّلَاةُ تَمْرِينًا لِلْمُكَلَّفِ وَرِيَاضَةً لَهُ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْوَسَطِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَيُثَلِّثُ بِالْأَشَقِّ وَهُوَ الصَّوْمُ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالتَّرْتِيبِ {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] وَفِي ذِكْرِ مَبَانِي الْإِسْلَامِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَاقْتَدَتْ أَئِمَّةُ الشَّرِيعَةِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ بِذَلِكَ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ: قِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ جَمْعٌ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ فِدْيَةَ الْيَمِينِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْلَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّعَدُّدِ، فَإِنَّ التَّرْجَمَةَ لِأَنْوَاعِ الصِّيَامِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ وَالنَّفَلَ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَ إلَخْ) الْمُتَعَقِّبُ صَاحِبُ النَّهْرِ.

حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّوْمَ اسْمُ جِنْسٍ لَهُ أَنْوَاعٌ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَحَيْثُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ الصِّيَامِ يُرَادُ مِنْهُ أَنْوَاعُهُ الْمُتَرْجَمُ لَهَا لَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ صَامَ صَوْمًا وَصِيَامًا فَهُوَ صَائِمٌ وَهُمْ صُوَّمٌ وَصُيَّامٌ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْ الصَّوْمِ وَالصِّيَامِ وَاحِدٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَدُّدِ وَلِذَا قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: ١٩٦] أَنَّهُ بَيَانٌ لِجِنْسِ الْفِدْيَةِ وَأَمَّا قَدْرُهَا فَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ كَعْبٍ. اهـ. نَعَمْ يَأْتِي الصِّيَامُ جَمْعًا لِصَائِمٍ كَمَا عَلِمْته لَكِنْ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا وَلَا فِي الْآيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الصِّيَامَ جَمْعٌ لِأَفْرَادِ الصَّوْمِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ فِي الْعُدُولِ إلَيْهِ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَيَتَسَاوَى التَّعْبِيرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصِّيَامِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ، وَعَلَى هَذَا فَيُشْكِلُ مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ صِيَامٍ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَكَذَا فِي النَّذْرِ خُرُوجًا عَنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ صَوْمِ اهـ يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ صِيَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا لَكِنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ مُرَادًا بِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا بَيَّنَ إجْمَالَهُ الْحَدِيثُ فَيُرَادُ فِي كَلَامِ النَّاذِرِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَذَهَبَ رَمَضَانُ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَشَاهِيرِ كَوْنُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ كَالْحَكِيمِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَلَمَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ فَحَذْفُ شَهْرٍ هُنَا مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ بَعْضِ الْكَلِمَةِ إلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْرَوْا مِثْلَ هَذَا الْعَلَمِ مَجْرَى الْمُضَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>