(إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ) الْآتِيَةِ (حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا) كَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الْيَوْمُ (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) مُسْلِمٍ كَائِنٍ فِي دَارِنَا أَوْ عَالِمٍ بِالْوُجُوبِ طَاهِرٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (مَعَ النِّيَّةِ) الْمَعْهُودَةِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ فَلَيْسَا مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّةِ صَوْمِ الصَّبِيِّ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِعَدَمِ النِّيَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
وَالْمُضَافِ إلَيْهِ حَيْثُ أَعْرَبُوا الْجُزْأَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ لِلسَّعْدِ نَهْرٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ رَجَبَ لَيْسَ مِنْهَا خِلَافًا لِلصَّلَاحِ الصَّفَدِيِّ وَتَبِعَهُ مَنْ قَالَ:
وَلَا تُضِفْ شَهْرًا لِلَفْظِ شَهْرٍ ... إلَّا الَّذِي أَوَّلُهُ الرا فادر
وَلِذَا زَادَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ:
وَاسْتَثْنِ مِنْ ذَا رَجَبًا فَيَمْتَنِعْ ... ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا رَوَوْهُ مَا سُمِعْ.
(قَوْلُهُ: إمْسَاكٌ مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ طَعَامٍ أَوْ كَلَامٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ إمْسَاكُ الْإِنْسَانِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشَّرَابِ، وَمِنْ مَجَازِهِ: صَامَ الْفَرَسُ إذَا لَمْ يَتَعَلَّفْ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ: خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الْآتِيَةِ) أَشَارَ بِالْآتِيَةِ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ الْمَعْلُومَةُ فِي بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ فَلَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَا دَوْرَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا) لِحُكْمِ الشَّارِعِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَكْلِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْيَوْمُ) أَيْ الْيَوْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَوَّلُ زَمَانِ الطُّلُوعِ أَوْ انْتِشَارُ الضَّوْءِ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَالثَّانِي أَوْسَعُ كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمُرَادُ بِالْغُرُوبِ زَمَانُ غَيْبُوبَةِ جُرْمِ الشَّمْسِ بِحَيْثُ تَظْهَرُ الظُّلْمَةُ فِي جِهَةِ الشَّرْقِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ إذَا وُجِدَتْ الظُّلْمَةُ حِسًّا فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَقَدْ ظَهَرَ وَقْتُ الْفِطْرِ أَوْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ وَإِنَّمَا أَدَّى بِصُورَةِ الْخَبَرِ تَرْغِيبًا فِي تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلشَّخْصِ الْمَخْصُوصِ (قَوْلُهُ: كَائِنٍ فِي دَارِنَا إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الصَّوْمِ شَرْعًا أَيْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ نَهَارًا بِنِيَّتِهِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْخَالِي عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ رَمَضَانَ كَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ، فَالْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ: طَاهِرٍ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتَيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْته فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَالَمٍ بِالْوُجُوبِ) أَيْ أَوْ كَائِنٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا عَالَمٍ بِالْوُجُوبِ فَالْكَوْنُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهِ إذْ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى إذْ لَا تَكْلِيفَ بِدُونِ الْعِلْمِ ثَمَّةَ لِلْعُذْرِ بِالْجَهْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ (قَوْلُهُ: طَاهِرٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) أَيْ خَالٍ عَنْهُمَا وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثِهِمَا غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ: الْمَعْهُودَةِ) هِيَ نِيَّةُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الصَّوْمُ فِي وَقْتِهَا الْآتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ لِمَ لَمْ تُقَيِّدْ الشَّخْصَ الْمَخْصُوصَ بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ النَّوْمِ؟ .
وَبَيَانُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ يُذْكَرُ بِذِكْرِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَذْكُورُ وَذِكْرُ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالنِّيَّةُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَتْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute