وَالْمَنْدُوبَ كَأَيَّامِ الْبِيضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَعَرَفَةَ وَلَوْ لِحَاجٍّ لَمْ يُضْعِفْهُ. وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا كَالْعِيدَيْنِ. وَتَنْزِيهًا كَعَاشُورَاءَ وَحْدَهُ وَسَبْتٍ وَحْدَهُ
ــ
[رد المحتار]
وَلَا يُوجِبُ تَرْكُهَا كَرَاهَةً. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ سَمَّاهُ فِي الْخَانِيَّةِ مُسْتَحَبًّا فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ لِيَكُونَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَدَائِعِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةٌ لِلسَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَصَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةٌ لِلْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ كَوْنُ صَوْمِ عَرَفَةَ آكَدُ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ الْمُسْتَحَبِّ أَفْضَلَ مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَنْدُوبَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى السُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَحَبَّ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْدُوبِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ مَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَاكَهُ أُخْرَى وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَعَكَسَ فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ لَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هُنَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُصُوصِهِ مُسْتَحَبًّا وَمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا لَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَتَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ بِخِلَافِ النَّفْلِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلنَّدْبِيَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ جَعَلَ النَّفَلَ مُقَابِلًا لِلْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ (قَوْلُهُ: كَأَيَّامِ الْبِيضِ) أَيْ أَيَّامِ اللَّيَالِيِ الْبِيضِ وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُلِ ضَوْءِ الْهِلَالِ وَشِدَّةِ الْبَيَاضِ فِيهَا إمْدَادٌ. وَفِيهِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا الْبِيضَ (قَوْلُهُ: وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا) صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: إنَّ صَوْمَهُ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلَّ بَعْضُهُمْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَضِيلَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي صَوْمِهَا تَشَبُّهٌ بِغَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَتَبِعَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ قَوْلُ الْبَعْضِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَلَا يُفْطِرُ. اهـ. وَظَاهِرُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْأَثَرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَا بَأْسٍ الِاسْتِحْبَابُ وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ. اهـ. قَالَ ط: قُلْت: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ وَالْآخِرُ مِنْهُمَا النَّهْيُ كَمَا أَوْضَحَهُ شُرَّاحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ وَظَائِفَ فَلَعَلَّهُ إذَا صَامَ ضَعُفَ عَنْ فِعْلِهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يُضْعِفْهُ) صِفَةٌ لِحَاجٍّ أَيْ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلَا يُخِلُّ بِالدَّعَوَاتِ مُحِيطٌ فَلَوْ أَضْعَفَهُ كُرِهَ (قَوْلُهُ: الْمَكْرُوهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى السُّنَّةِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: كَالْعِيدَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّكَلُّفِ الْمَارِّ فِي وَجْهِ إدْخَالِهِ فِي النَّفْلِ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الْعِيدَيْنِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا (قَوْلُهُ: كَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَعَاشُورَاءَ وَحْدَهُ) أَيْ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ أَوْ عَنْ الْحَادِيَ عَشَرَ إمْدَادٌ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ مُحِيطٌ (قَوْلُهُ: وَسَبْتٍ وَحْدَهُ) لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ بَحْرٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ط.
قُلْت: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَحَدٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَحْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ وَيُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا قِيلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ. اهـ.
أَيْ يُكْرَهُ تَعَمُّدُ صَوْمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute