فَدَخَلَهُ الْخُصُوصُ كَالنَّذْرِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَبْقَ قَطْعِيًّا (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ سَعْدِيٌّ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِخِلَافِ الْفَائِتَةِ (هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْأَظْهَرِ) كَالْكَفَّارَاتِ يَعْنِي عَمَلًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِجْمَاعِ لَا يُفِيدُ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو (وَنَفْلٌ كَغَيْرِهِمَا) يَعُمُّ السُّنَّةَ كَصَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ.
ــ
[رد المحتار]
أَيْ أَنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْآيَةِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُ فَرْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا النَّذْرَ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ فَتُفِيدُ الْوُجُوبَ وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْعِنَايَةِ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ قَائِلُهُ الْأَكْمَلُ) فِيهِ أَنَّ الْأَكْمَلَ قَرَّرَ فِي الْعِنَايَةِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَائِلَهُ الْكَمَالُ فَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمِ الشَّارِحِ لِتَشَابُهِ اللَّفْظَيْنِ أَفَادَهُ ح.
وَكَلَامُ الْكَمَالِ فِي الْفَتْحِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى اللُّزُومِ لَا مِنْ الْآيَةِ لِتَخَصُّصِهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَعَقَّبَهُ سَعْدِيٌّ إلَخْ) أَيْ فِي حَاشِيَةِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ الْفَتْحِ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالذَّخِيرَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالْوَاجِبِ ظَاهِرٌ نَظَرًا إلَى الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُقْضَى الْفَوَائِتُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ (قَوْلُهُ: يَعْنِي عَمَلًا) هَذَا صُلْحٌ بِمَا لَا يَرْتَضِيه الْخَصْمَانِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالْآيَةِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ لَا ظَنِّيٌّ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ بِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ لِمَا مَرَّ مِنْ تَخْصِيصِهَا وَعَدَلَ عَنْهُ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو) أَيْ فِي الدُّرَرِ حَيْثُ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمَنْذُورَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ هَاهُنَا الْفَرْضُ الِاعْتِقَادِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْضِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْإِجْمَاعِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ؛ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْمَنْذُورِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُنْقَلْ مُتَوَاتِرًا بَلْ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَالْأَظْهَرُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ اللَّازِمُ مِنْهَا إكْفَارُ الْجَاحِدِ لَهَا.
[تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِينَ فِي كُلٍّ مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ فَرْضٌ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ وَالزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلُ وَاجِبٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ وَابْنُ مَلَكٍ بِالْعَكْسِ وَتَوْجِيهُ كُلٍّ ظَاهِرٌ إلَّا الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ: وَنَفْلٌ) أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَنَا لَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ الْمَكْرُوهَ بِقِسْمَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ عِبَادَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ وَمِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الضِّيَافَةِ يَكُونُ مَنْهِيًّا فَبَقِيَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَعُمُّ السُّنَّةَ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَحْقِيقَ الْفَرْقِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ.
وَأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهِيَ قِسْمَانِ: سُنَّةُ الْهَدْيِ وَتَرْكُهَا يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ وَالْكَرَاهَةَ كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ.
وَسُنَّةُ الزَّوَائِدِ كَسِيَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute