للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَارَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ قَالُوا وَطَرِيقُ إثْبَاتِ رَمَضَانَ وَالْعِيدِ أَنْ يَدَّعِيَ وَكَالَةً مُعَلَّقَةً بِدُخُولِهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى الْحَاضِرِ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ ضِمْنًا لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحُكْمِ.

ــ

[رد المحتار]

فَقَوْلُهُ عِنْدَنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ. ثُمَّ قَالَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صَفْوِ الْهَوَاءِ وَكُدْرَتِهِ وَبِاخْتِلَافِ انْهِبَاطِ الْمَكَانِ وَارْتِفَاعِهِ، فَإِنَّ هَوَاءَ الصَّحْرَاءِ أَصْفَى مِنْ هَوَاءِ الْمِصْرِ، وَقَدْ يُرَى الْهِلَالُ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ مَا لَا يُرَى مِنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَفَرُّدُهُ بِالرُّؤْيَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ عَلَى مُوَافَقَةِ الظَّاهِرِ اهـ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبْسُوطَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ.

وَنَصُّهُ: وَيُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ عَدْلًا كَانَ الشَّاهِدُ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَأَى خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْمِصْرِ وَفِي الْمِصْرِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْعَامَّةَ مِنْ التَّسَاوِي فِي رُؤْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِصْرٍ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا الْجَمَاعَةُ اهـ.

وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْمِصْرِ فِي مَكَان غَيْرِ مُرْتَفِعٍ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مُقَيِّدَةً لِإِطْلَاقِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِدَلِيلِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَلَّلَ فِيهَا رَدَّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ التَّفَرُّدَ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ. وَعَلَى مَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرَّدِّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَلَا يَكُونُ تَفَرُّدُهُ بِالرُّؤْيَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ إلَخْ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يُدَّعَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْمُدَّعِي الْمَفْهُومُ مِنْ فِعْلِهِ أَيْ بِأَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ عَلَى شَخْصٍ حَاضِرٍ بِأَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ لَهُ عَلَيْك كَذَا مِنْ الدَّيْنِ وَقَدْ قَالَ لِي إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَأَنْتِ وَكِيلِي بِقَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٌ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ (قَوْلُهُ: فَيُقِرُّ) أَيْ الْحَاضِرُ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ.

وَاسْتَشْكَلَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي دَيْنَهُ فَلَا يَنْفُذُ. وَأَقُولُ: لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ كَوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَجَحَدَ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَصْمًا بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَكَالَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ: فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ ضِمْنًا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ حَقِّ الْعَبْدِ لَا قَصْدًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يُقْبَلُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ. أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ.

قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَمَضَانَ يَجِبُ صَوْمُهُ بِلَا ثُبُوتٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ صَوْمِهِ ثُبُوتُهُ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَفَائِدَةُ إثْبَاتِهِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْجَمْعِ الْعَظِيمِ لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا عَلَى حُلُولِ الْوَكَالَةِ بِدُخُولِ الشَّهْرِ لَا عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُلُولَ الْوَكَالَةِ يَكْتَفِي فِيهَا بِشَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ عَبْدٍ وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ الدُّخُولِ وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ ضِمْنًا وَجَبَ صَوْمُهُ وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>