(وَ) الْبُدَاءَةُ (بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ) الطَّاهِرَتَيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ، وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ اتِّفَاقِيٌّ؛ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ السُّنَّةِ بِوَقْتِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، -
ــ
[رد المحتار]
حَدِيثًا ثَابِتًا.
(قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: السُّنَّةُ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْيَدِ؛ وَأَمَّا نَفْسُ الْغَسْلِ فَفَرْضٌ، وَلِلْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ: الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ غَسْلُ يَدَيْهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَ غَيْرُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: الطَّاهِرَتَيْنِ) أَمَّا غَسْلُ النَّجِسَتَيْنِ فَوَاجِبٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ غَسْلُهُمَا عَنْ الثَّلَاثِ كَانَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ تَارِكًا لِكَمَالِهَا، عَلَى أَنَّهُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ لِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْإِضَافِيِّ أَيْضًا، وَهُمَا سُنَّتَانِ لَا وَاحِدَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ) أَيْ الْوَاقِعُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (قَوْلُهُ: اتِّفَاقِيٌّ) أَيْ غَيْرُ مَقْصُودِ الذِّكْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: خَصَّ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بِالْمُسْتَيْقِظِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَالسُّنَّةُ تَشْمَلُ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. اهـ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَقْصُودٌ، وَأَنَّ غَسْلَهُمَا لِغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ أَدَبٌ، كَمَا فِي السِّرَاجِ.
وَفِي النَّهْرِ: الْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، كَمَا إذَا نَامَ لَا عَنْ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ عِنْدَ عَدَمِ تَوَهُّمِهَا، كَمَا إذَا نَامَ إلَّا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَيْقِظًا عَنْ نَوْمٍ اهـ وَنَحْوِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْقَيْدِ اتِّفَاقِيًّا وَأَنَّ الْغَسْلَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: بِوَقْتِ الْحَاجَةِ) أَيْ إلَى إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ. ابْنُ كَمَالٍ: فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ صَغِيرًا يُمْكِنُ رَفْعُهُ وَالصَّبُّ مِنْهُ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ) عِلَّةٌ لِلتَّوَهُّمِ: أَيْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ
وَالْمَفَاهِيمُ: جَمْعُ مَفْهُومٍ، وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ. وَهُوَ قِسْمَانِ: مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ: أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مُوَافِقًا لِلْمَنْطُوقِ: أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ؛ كَدَلَالَةِ النَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَهَذَا يُسَمَّى عِنْدَنَا دَلَالَةَ النَّصِّ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ اتِّفَاقًا. وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ: مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَفْهُومَ اللَّقَبِ. قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَنْفُونَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ بِأَقْسَامِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَقَطْ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ فِي الرِّوَايَاتِ وَنَحْوِهَا مُعْتَبَرٌ بِأَقْسَامِهِ حَتَّى مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِجَامِدٍ، كَقَوْلِك: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ.
وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ، فَأَمَّا مَا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ فَيَدُلُّ. اهـ. وَتَوْضِيحُ هَذَا الْمَحَلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute