وَعَنْ بَعْضِهِمْ:
إنْ يَبْلَعْ الرِّيقَ بَعْدَ ذَا يَضُرُّ ... كَصِبْغٍ لَوْنُهُ فِيهِ يَظْهَرُ.
(وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) كَأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ أَوْ شَرِبَ نَائِمًا أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْفَجْرِ (أَوْ) أَوَجِرَ (مُكْرَهًا) أَوْ نَائِمًا وَأَمَّا حَدِيثُ " رُفِعَ الْخَطَأُ " فَالْمُرَادُ رَفْعُ الْإِثْمِ وَفِي التَّحْرِيرِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
(أَوْ أَكَلَ) أَوْ جَامَعَ (نَاسِيًا) أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا) لِلشُّبْهَةِ -
ــ
[رد المحتار]
عَلَى فَمِهِ إذَا لَمْ يَتَقَطَّعْ كَمَا فِي شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط (قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَا) أَيْ بَعْدَ تَكْرَارِ إدْخَالِهِ فِي فِيهِ (قَوْلُهُ: يَضُرُّ) أَيْ الصَّوْمُ وَيُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ بِمَنْزِلِهِ انْقِطَاعِ الْبُزَاقِ الْمُتَدَلِّي كَذَا فِي شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط (قَوْلُهُ: كَصِبْغٍ) أَيْ كَمَا يَضُرُّ ابْتِلَاعُ الصِّبْغِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَقَوْلُهُ لَوْنُهُ) أَيْ الصِّبْغِ (وَفِيهِ) أَيْ الرِّيقِ مُتَعَلِّقٌ بِيَظْهَرُ ط.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) شَرْطٌ جَوَابُهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَضَى فَقَطْ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَالْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ مَنْ فَسَدَ صَوْمُهُ بِفِعْلِهِ الْمَقْصُودُ دُونَ قَصْدِ الْفَسَادِ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَسَبَقَهُ الْمَاءُ) أَيْ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرِبَ حِينَئِذٍ لَمْ يَفْسُدْ فَهَذَا أَوْلَى وَقِيلَ إنْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ زَادَ فَسَدَ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرِبَ نَائِمًا) فِيهِ أَنَّ النَّائِمَ غَيْرُ مُخْطِئٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِ الْفِعْلَ نَعَمْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ وَالنَّائِمَ كَالْمُخْطِئِ. اهـ.
وَلَيْسَ هُوَ كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّ النَّائِمَ أَوْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ النِّسْيَانَ اُعْتُبِرَ عُذْرًا فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ وَالْجُنُونِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ عُذْرًا فِي تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ نَادِرِ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا الذَّبْحُ وَتَنَاوُلُ الْمُفْطِرِ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْجُنُونِ فَنَادِرٌ فَلَمْ يُلْحَقْ بِالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْجِمَاعَ قَدْ يَكُونُ خَطَأً وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ فَقَالَ: وَلَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ بِلَيْلٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ فَصَوْمُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَصْدِ الْإِفْسَادِ. اهـ.
وَبِهِ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّكَلُّفِ بِتَصْوِيرِ الْخَطَأِ فِي الْجِمَاعِ بِمَا إذَا بَاشَرَهَا مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً فَتَوَارَتْ حَشَفَتُهُ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ وَمَسْأَلَةُ التَّسَحُّرِ سَتَأْتِي مُفَصَّلَةً (قَوْلُهُ: أَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا) أَيْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ وَالْإِيجَارُ غَيْرُ قَيْدٍ فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ أُوجِرَ وَأَبْقَى قَوْلَ الْمَتْنِ أَوْ مُكْرَهًا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ خَطَأً لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِيَشْمَلَ الْإِفْطَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْجِمَاعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ يُجَامِعُ. اهـ.
أَيْ مِثْلُ الصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِمًا) هُوَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَيَأْتِي مَا لَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً (قَوْلُهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ إلَخْ) هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ رُفِعَ حُكْمُ الْخَطَأِ إلَخْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَطَأِ لَمْ يُرْفَعْ وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ وَأُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الْإِثْمُ فَيَتَنَاوَلُهُمَا.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ حَيْثُ قُدِّرَ الْحُكْمُ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَى بِالْفَتْحِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْإِثْمُ مُرَادٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَصِحُّ إرَادَةُ الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ نُفْسِدُ صَوْمَ النَّاسِي مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَيْضًا الْفَسَادُ لِوُصُولِ الْمُفَطِّرِ إلَى الْجَوْفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ) أَيْ عَقْلًا كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ.
(قَوْلُهُ: فَأَكَلَ عَمْدًا) وَكَذَا لَوْ جَامَعَ عَمْدًا كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ فَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِفْطَارُ (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) عِلَّةٌ لِلْكُلِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ