وَلَوْ عَلِمَ عَدَمَ فِطْرِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فَلَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ لِشُبْهَةِ خِلَافِ مَالِكٍ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ فَقَيْدُ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الِاتِّفَاقِ.
(أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ شَيْئًا (أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً) فَوَصَلَ الدَّوَاءُ حَقِيقَةً -
ــ
[رد المحتار]
عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ، وَهُوَ الْأَكْلُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مُضَادٌّ لِلصَّوْمِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَكَذَا فِيهِ شُبْهَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُفَطِّرْهُ بِأَنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ الْفَتْوَى أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ فَأَفْطَرَ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ فَإِنَّ الْقَيْءَ وَالِاسْتِقَاءَ مُتَشَابِهَانِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْفَمِ وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ لِلتَّشَابُهِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَطِّرُهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَلَا شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ) وَهِيَ مَا لَوْ أَكَلَ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ أَوْ شَرِبَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْكَفَّارَةِ خِلَافُ مَالِكٍ وَخِلَافُهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ح (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَلِمَ عَدَمَ فِطْرِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا عَلِمَ بِعَدَمِ فِطْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ.
قُلْت: وَهَذَا يَرُدُّ مَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذْ لَوْ فَسَدَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ إذَا أَكَلَ بَعْدَهُ عَامِدًا وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا غَيْرَهُ وَكَذَا يَرُدُّهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ نَعَمْ نَقَلُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ذُكِّرَ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَسَدَ صَوْمُهُ وَكَانَ هَذَا مَنْشَأَ الْوَهْمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَقَيْدُ الظَّنِّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مِنْ حَقَنَ الْمَرِيضُ دَوَاءَهُ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتُقِنَ بِالضَّمِّ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ حُقِنَ أَوْ عُولِجَ بِالْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطُ الدَّوَاءُ الَّذِي صُبَّ فِي الْأَنْفِ وَأَسْعَطَهُ إيَّاهُ وَلَا يُقَالُ: اُسْتُعِطَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِعْرَاجٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالصُّورَةُ الِابْتِلَاعُ كَمَا فِي الْكَافِي وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ وَالنَّفْعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَقَطْ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: أَوْ أَقْطَرَ) فِي الْمُغْرِبِ قَطَرَ الْمَاءَ صَبَّهُ تَقْطِيرًا وَقَطَّرَهُ مِثْلَهُ قَطْرًا وَأَقْطَرَهُ لُغَةً اهـ وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ يَتَخَرَّجُ كَلَامُهُمْ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِتَتَّفِقَ الْأَفْعَالُ وَتَنْتَظِمَ الضَّمَائِرُ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ وَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ فِي أُذُنِهِ نَهْرٌ وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَفْصَحِ لِذِكْرِهِ الْمَفْعُولَ الصَّرِيحَ وَهُوَ قَوْلُهُ دُهْنًا مَنْصُوبًا.
(قَوْلُهُ: دُهْنًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِهِ وَلِأَنَّهُ مَشَى أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ كَانَ بِصُنْعِهِ وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً) الْجَائِفَةُ الطَّعْنَةُ الَّتِي بَلَغَتْ الْجَوْفَ أَوْ نَفَذْته وَالْآمَّةُ مِنْ أَمَمْته بِالْعَصَا أَمًّا مِنْ بَابِ طَلَبَ إذَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَقِيلَ لَهَا آمَّةٌ أَيْ بِالْمَدِّ وَمَأْمُومَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَاتِ أَمٍّ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَلَيْلَةٍ مزودة وَجَمْعُهَا أَوَامُّ وَمَأْمُومَاتٌ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَوَصَلَ الدَّوَاءُ حَقِيقَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِفْسَادِ بِالدَّوَاءِ الرَّطْبِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِلُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْوُصُولِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ وُصُولَ الْيَابِسِ أَفْسَدَ أَوْ عَدَمَ وُصُولِ الطَّرِيِّ لَمْ يُفْسِدْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا فَأَفْسَدَ بِالطَّرِيِّ حُكْمًا بِالْوُصُولِ نَظَرًا إلَى الْعَادَةِ وَنَفَيَاهُ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ.
قُلْت: وَلَمْ يُقَيِّدُوا الِاحْتِقَانَ وَالِاسْتِعَاطَ وَالْإِقْطَارَ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لِظُهُورِهِ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى لَوْ بَقِيَ السَّعُوطُ فِي الْأَنْفِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الرَّأْسِ لَا يُفْطِرُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الدَّوَاءُ رَاجِعًا إلَى الْكُلِّ تَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute