للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ نُصْحُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ فَأَنَّى يُتَطَبَّبُ بِهِمْ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْفَرَائِضِ (الْفِطْر) يَوْمَ الْعُذْرِ إلَّا السَّفَرَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَقَضَوْا) لُزُومًا (مَا قَدَّرُوا بِلَا فِدْيَةٍ وَ) بِلَا (وَلَاءٍ) لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلِذَا جَازَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ.

(وَ) لَوْ جَاءَ رَمَضَانُ الثَّانِي (قُدِّمَ الْأَدَاءُ عَلَى الْقَضَاءِ) وَلَا فِدْيَةَ لِمَا مَرَّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

(وَيُنْدَبُ لِمُسَافِرٍ الصَّوْمُ) لِآيَةِ - {وَأَنْ تَصُومُوا} [البقرة: ١٨٤]- وَالْخَيْرُ بِمَعْنَى الْبِرِّ لَا أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى رَفِيقِهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَتِهِ الْجَمَاعَةَ.

(فَإِنْ مَاتُوا فِيهِ)

ــ

[رد المحتار]

يَكُونَ غَرَضُ الْكَافِرِ إفْسَادَ الْعِبَادَةِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ بِالْكَافِرِ فِيمَا عَدَا إبْطَالَ الْعِبَادَةِ ط (قَوْلُهُ فَأَبَى) أَيْ فَكَيْفَ يُتَطَيَّبُ بِهِمْ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ قَالَ ح: أَيَّدَ ذَلِكَ شَيْخُنَا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ إلَّا عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ» (قَوْلُهُ لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَتُقَدَّمُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ أَطَاعَتْهُ حَتَّى أَفْطَرَتْ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ وَيُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ إلَّا السَّفَرَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْعُذْرِ، فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ يَوْمَ الْعُذْرِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إتْمَامُ يَوْمٍ مِنْهُ سَافَرَ فِيهِ ح (قَوْلُهُ وَقَضَوْا) أَيْ مَنْ تَقَدَّمَ حَتَّى الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ.

وَغَلَّبَ الذُّكُورَ فَأَتَى بِضَمِيرِهِمْ ط (قَوْلُهُ بِلَا فِدْيَةٍ) أَشَارَ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ: بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْفِدْيَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حِنْطَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَبِلَا وِلَاءٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ مُوَالَاةً بِمَعْنَى الْمُتَابَعَةِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: - {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]- وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي نَدْبِ التَّتَابُعِ فِيمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ قَضَاءُ الصَّوْمِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَضَوْا وَهَذَا عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَبِلَا وِلَاءٍ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْفَوْرِ (قَوْلُهُ جَازَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ) وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى الْفَوْرِ لَكُرِهَ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِلْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» لِأَنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَقُّلُ بِالصَّلَاةِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَلَمْ أَرَهُ نَهْرٌ قُلْت: قَدَّمْنَا فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ كَرَاهَتَهُ إلَّا فِي الرَّوَاتِبِ وَالرَّغَائِبِ فَلْيُرَاجَعْ ط.

(قَوْلُهُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَوْ قَدَّمَ الْقَضَاءَ وَقَعَ عَنْ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ. قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الصَّوْمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ وَجَبَ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ ح.

(قَوْلُهُ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ) لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ خَيْرٌ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى الْإِثَابَةِ فَيُفِيدُ أَنَّ رُخْصَةَ الْإِفْطَارِ فِيهَا ثَوَابٌ لَكِنَّ الْعَزِيمَةَ أَكْثَرُ ثَوَابًا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ أَبَتْ نَفْسُهُ الرُّخْصَةَ ط (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ بِمَا لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكٍ وَإِلَّا وَجَبَ الْفِطْرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّرَرِ مُطْلَقُ الْمَشَقَّةِ لَا خُصُوصُ ضَرَرِ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى رَفِيقِهِ) اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رُفْقَتُهُ، فَإِذَا كَانَ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ وَالنَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةٌ فَإِنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ لِمُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّهُمْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ قِسْمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتُوا إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَقَضِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>