للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسَنُّ غَسْلُهَا أَيْضًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ.

(وَالسِّوَاكُ) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: قَبْلَهَا، وَهُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا إلَّا إذَا نَسِيَهُ

ــ

[رد المحتار]

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ لَكِنْ فِي ضِمْنِ الْغَسْلِ الْمَسْنُونِ لَا قَصْدًا، وَالْفَرْضُ إنَّمَا يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا أَتَى بِهِ عَلَى قَصْدِ الْفَرْضِيَّةِ؛ كَمَنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ قَدْ نَسِيَهَا وَاغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ضِمْنًا وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْفَرْضِ وَهُوَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ لِيَكُونَ آتِيًا بِالْفَرْضِ قَصْدًا، وَلَا يَنُوبُ الْغَسْلُ الْأَوَّلُ مَنَابَهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ نَابَ مَنَابَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْهُ سَقَطَ الْفَرْضُ كَمَا يَسْقُطُ لَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا.

وَيَظْهَرُ لِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْفَرْضِيَّةِ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْغَسْلِ الْمُجْزِئِ عَنْ الْفَرْضِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُسَنُّ إعَادَةُ الْغَسْلِ لِمَا مَرَّ فَتَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ. وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَحَدِ الْأَقْوَالِ، إذْ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِأَنَّ إعَادَةَ غَسْلِهِمَا عَبَثٌ وَإِسْرَافٌ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ:: وَالسِّوَاكُ) بِالْكَسْرِ: بِمَعْنَى الْعُودِ الَّذِي يُسْتَاكُ بِهِ وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ. اهـ.

فَالْمُرَادُ الِاسْتِيَاكُ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي مِقْيَاسِ اللُّغَةِ وَهُوَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ أَيْضًا، فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ وَنَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَيْضًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْكَرْمَانِيِّ، قَالَ: وَكَفَى بِهِمْ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ إنْ قُدِّرَ قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا مُبْتَدَأٌ وَعَلَى الْعَطْفِ فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَجْرُورٌ؟ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ الثَّانِي لِيُفِيدَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ أَيْضًا.

وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ الْأَوَّلَ لِتَرْجِيحِ كَوْنِهِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الْحَقُّ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَقَدْ عَدَّهُ الْقُدُورِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي الْإِنْقَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا) أَيْ سُنَّةٌ لِلْوُضُوءِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلصَّلَاةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَالُوا: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ صَلَّى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ صَلَوَاتٍ يَكْفِيه عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ. وَعَلَّلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَاكَ لِلصَّلَاةِ رُبَّمَا يَخْرُجُ دَمٌ، وَهُوَ نَجَسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَسِيَهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ الْغَزْنَوِيَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارُ السِّنِّ، وَتَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُنَافِيه مَا نَقَلُوهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَنَا لِلْوُضُوءِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْغَزْنَوِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْ أَنَّهُ لِلْوُضُوءِ. وَإِذَا نَسِيَهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوُضُوءِ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: فِيهِ نَظَرٌ بِالنَّظَرِ إلَى تَعْلِيلِ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ الْمُتَقَدِّمِ. اهـ.

أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ؛ فَقَدْ رُدَّ بِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ مَعَ أَنَّهُ لِمَنْ يُثَابِرُ عَلَيْهِ لَا يُدْمِي. وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ، بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: هُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا بَيَانُ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَضِيلَةُ الْوَارِدَةُ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ» أَيْ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ. فَعِنْدنَا كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ لَهَا هَذِهِ الْفَضِيلَةُ خِلَافًا لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>