لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ جَعَلَ عَدَمَ الْفَسَادِ لِانْهِدَامِهِ وَبُطْلَانِ جَمَاعَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ كَرْهًا وَاسْتِحْسَانًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ لَوْ شَرَطَ وَقْتَ النَّذْرِ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَحُضُورِ مَجْلِسِ عِلْمٍ جَازَ ذَلِكَ فَلْيُحْفَظْ
(وَخُصَّ) الْمُعْتَكِفُ (بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَعَقْدٍ احْتَاجَ إلَيْهِ) لِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ فَلَوْ لِتِجَارَةٍ كُرِهَ (كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ)
ــ
[رد المحتار]
أَهْلِهِ لِعَدَمِ صَلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ وَإِخْرَاجَ ظَالِمٍ كَرْهًا وَخَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ وَمَشَى فِي نُورِ الْإِيضَاحِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَا عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي الِانْهِدَامِ وَالْإِكْرَاهِ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بَعْدَ الِانْهِدَامِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ الْفَسَادِ بِتَفْرِيقِ أَهْلِهِ اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ إنَّهُ نَصَّ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي ذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ.
قُلْت: وَكَذَا فِي الْمُجْتَبِي وَالسِّرَاجِ والتتارخانية وَبِهَذَا سَقَطَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُودِ مُحَشِّي مِسْكِينٍ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ، وَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ وَمِسْكِينًا وَالشُّرُنْبُلالي وَغَيْرَهُمْ خَلَطُوا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ بِالْآخَرِ، وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي إذْ لَوْ كَانَ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ فَمَا مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ فِي بَعْضِ الْأَعْذَارِ دُونَ بَعْضٍ وَهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ بِالْخُرُوجِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ نَهَارٍ بِلَا عُذْرٍ أَصْلًا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلَهُمَا لَنَقَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَلْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَتَيْ الِانْهِدَامِ وَالْإِكْرَاهِ بِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ اسْتِحْسَانًا فَقَوْلُهُ: مِنْ سَاعَتِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْفَسَادُ بِالْخُرُوجِ إلَّا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ جُمُعَةٍ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَتْحِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ اسْتَحْسَنَ عَدَمَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَكَأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَرَ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ وَجِيهًا لِأَنَّ انْهِدَامَ الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْتَكِفًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْخَمْسِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ لِمَرَضٍ وَحَيْضٍ وَنِسْيَانٍ إذَا كَانَ مُفْسِدًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَكُونُ لِلْإِكْرَاهِ الَّذِي هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ مُفْسِدًا بِالْأَوْلَى وَلَعَلَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ نَظَرَ إلَى هَذَا فَتَبِعَ الْمَنْقُولَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ تَلْخِيصُ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة) وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لَوْ شَرَطَ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ جَازَ ذَلِكَ) قُلْت: يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فَيَصِيرُ مُسْتَثْنًى اهـ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَمَا لَا فَلَا إلَّا إذَا شَرَطَهُ.
(قَوْلُهُ وَخُصَّ الْمُعْتَكِفُ بِأَكْلٍ إلَخْ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَحِلُّ لَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَاخِلَةً عَلَى الْمَقْصُورِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ غَيْرُ مَقْصُورَيْنِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ كَرَاهَتِهِمَا لِغَيْرِهِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَاعْلَمْ: أَنَّهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَنَحْوُهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ فَكَذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ كَمَا فِي كَرَاهِيَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ يُكْرَهُ النَّوْمُ وَالْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ وَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَيَدْخُلَ فَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَدْرِ مَا نَوَى أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَفْعَلَ مَا شَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لِتِجَارَةٍ كُرِهَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَرَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَرَجْعَةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute