للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَوْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا فَسَدَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ

(وَكُرِهَ) أَيْ تَحْرِيمًا لِأَنَّهَا مَحَلُّ إطْلَاقِهِمْ بَحْرٌ (إحْضَارُ مَبِيعٍ فِيهِ) كَمَا كُرِهَ فِيهِ مُبَايَعَةُ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ مُطْلَقًا لِلنَّهْيِ وَكَذَا أَكْلُهُ وَنَوْمُهُ إلَّا لِغَرِيبٍ أَشْبَاهٌ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْوِتْرِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ فِيهِ مُطْلَقًا وَنَحْوُهُ فِي الْمُجْتَبَى.

(وَ) يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (صَمْتٌ) إنْ اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً وَإِلَّا لَا لِحَدِيثِ " مَنْ صَمَتَ نَجَا " وَيَجِبُ أَيْ الصَّمْتُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ عَنْ شَرٍّ لِحَدِيثِ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ» (وَتَكَلُّمٌ إلَّا بِخَيْرٍ) وَهُوَ مَا لَا إثْمَ فِيهِ

ــ

[رد المحتار]

أَكْلٍ لَا عَلَى بَيْعٍ إلَّا بِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ بِمَا يَشْمَلُهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) أَيْ إلَى الْخُرُوجِ حَيْثُ جَازَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقِيلَ يَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْحَوَائِجِ الضَّرُورِيَّةِ كَالْبَوْلِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ إحْضَارُ مَبِيعٍ فِيهِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ لَمْ يَشْغَلْ الْبُقْعَةَ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُ كَدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ بَحْرٌ لَكِنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ الْكَرَاهَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ نَهْرٌ.

قُلْت: التَّعْلِيلُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُحْرَزٌ عَنْ شَغْلِهِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقَوْلُهُمْ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا نَتِيجَةُ التَّعْلِيلِ وَلِذَا أَبْدَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ: فَيُكْرَهُ شَغْلُهُ بِهَا فَافْهَمْ.

وَفِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّ إحْضَارَ مَا يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَكْرُوهٌ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ أَيْ لِأَنَّ إحْضَارَهُ ضَرُورِيٌّ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَلِأَنَّهُ لَا شَغْلَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ.

وَقَالَ أَبُو السُّعُودِ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّ إحْضَارَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يَشْغَلُ الْمَسْجِدَ جَائِزٌ اهـ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ أَحْضَرَهُ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَكْلُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ عَنْ جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ غَرِيبًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا فَالْمُعْتَكِفُ أَوْلَى اهـ وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْمِعْرَاجِ وَبِهِ يُعْلَمُ تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ قَالَ ط: لَكِنَّ قَوْلَهُ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ اهـ وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَرْجِيحُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ النَّوْمِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ إذَا لَمْ يَشْغَلْ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يُلَوِّثْهُ لِأَنَّ تَنْظِيفَهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ لَكِنْ قَالَ فِي مَتْنِ الْوِقَايَةِ: وَيَأْكُلُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ وَيَشْرَبُ وَيَنَامُ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِيهِ لَا غَيْرُهُ قَالَ مُنْلَا عَلِيٍّ فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي الْمَسْجِدِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ نَقَلَ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ وَصَمْتٌ) عَدَلَ عَنْ السُّكُوتِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ السُّكُوتَ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ، فَإِنْ طَالَ سُمِّي صَمْتًا نَهْرٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَرِيعَتِنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الْوِصَالِ وَعَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ» " فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) لَمْ يَقُلْ يُفْتَرَضُ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ، فَإِنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَالْغِيبَةِ مَثَلًا وَقَدْ يُكْرَهُ كَإِنْشَادِ شِعْرٍ قَبِيحٍ وَكَذِكْرٍ لِتَرْوِيجِ سِلْعَةٍ فَالصَّمْتُ عَنْ الْأَوَّلِ فَرْضٌ وَعَنْ الثَّانِي وَاجِبٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَكَلُّمٌ إلَّا بِخَيْرٍ) فِيهِ التَّفْرِيغُ فِي الْإِيجَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَفْيُ مَعْنًى ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَيْ لِأَنَّ كُرْهٌ بِمَعْنَى لَا يَفْعَلُ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: ٣٢]- وَقَوْلُهُ - {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: ٤٥]- لِأَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يُرِيدُ وَمَعْنَى لَا تَسْهُلُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخِرِ الْمُغْنِي، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ إلَّا بِمَعْنَى غَيْرِ كَمَا فِي - {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢]- وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَرْفُ الْجَرِّ، بَلْ تَخَطَّاهَا لِمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِيَّةِ وَالْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>