للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ ذَلِكَ (شَفْعًا) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ

(وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ) بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي) لِمَشَقَّتِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ (وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: ١٢٧]- وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ وَالْقَارِنُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَعَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى (ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ صَلَاتِهِ نَاوِيًا بِهَا) بِالتَّلْبِيَةِ (الْحَجَّ)

ــ

[رد المحتار]

وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ نَهْرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطْيِيبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِمَا كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الشَّفْعَ يَشْمَلُ الْأَرْبَعَ (قَوْلُهُ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا وَشَبَّهُوهَا بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مِنَّا بِهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ فَتَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا أَيْضًا اهـ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ حُنَيْفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ

(قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ) أَيْ لِقَلْبِهِ يَعْنِي أَنَّ دُعَاءَهُ بِطَلَبِ التَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِصِدْقِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ عَنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَا يُفِيدُ وَلَيْسَ هَذَا بِنِيَّةٍ لِلْحَجِّ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَشَقَّتِهِ إلَخْ) لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمْكِنَةٍ مُتَبَايِنَةٍ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّيْسِيرَ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ كُلَّ عَسِيرٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ تَقَبَّلْهُ مِنِّي، لِأَنَّهُمَا لَمَّا طَلَبَا ذَلِكَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ نَاسَبَ طَلَبَهُ فِي قَصْدِهِ لِلْحَجِّ إلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْمَسَاجِدِ عِمَارَةٌ لَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ مَشَقَّةِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْقَارِنُ) فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلَخْ قَالَ ح: وَتَرَكَ الْمُتَمَتِّعَ لِأَنَّهُ يُفْرِدُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَيُفْرِدُهُ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ) عَزَاهُ فِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ إلَى مُحَمَّدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى) كَذَا فِي النَّهْرِ.

قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَكِنْ مَا أَعْظَمَ الصَّلَاةَ وَمَا أَصْعَبَ أَدَاءَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَمَا أَحْرَى طَلَبَ تَيْسِيرِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَا عَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ نَاوِيًا بِهَا الْحَجَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْإِرَادَةِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّاغِبُ إنَّ دَوَاعِيَ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ عَلَى مَرَاتِبَ: السَّانِحُ، ثُمَّ الْخَاطِرُ، ثُمَّ الْفِكْرُ، ثُمَّ الْإِرَادَةُ، ثُمَّ الْهِمَّةُ، ثُمَّ الْعَزْمُ. وَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لَبَّيْكَ إلَخْ كَانَ حَسَنًا لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ لَا إذَا اجْتَمَعَتْ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الرُّوَاةِ لِنُسُكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ لِيُطَابِقَ الْقَلْبَ. اهـ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ اهـ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. وَعَنْهُ: ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُصَرِّحٌ بِالنُّطْقِ بِمَا يُفِيدُ مَعْنَى النِّيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ النِّيَّةَ تَتَعَيَّنُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الرُّوَاةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ الْإِهْلَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَا فِي ضِمْنِ الدُّعَاءِ بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِيَّةٍ وَإِنَّمَا النِّيَّةُ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ نَاوِيًا أَوْ هُوَ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّلْبِيَةِ. فَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ فِي إهْلَالِهِ أَيْ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَا أَحْرَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>