بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ بِقَلْبِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا بِذِكْرٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَهِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ (وَالنِّعْمَةَ لَك)
ــ
[رد المحتار]
بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ فَيَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى النُّسُكَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ قَبْلَ الطَّوَافِ فِيهَا وَإِلَّا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَتَعْيِينُ النُّسُكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ مُبْهَمًا وَبِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْغَيْرُ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُبْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلِمْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرَهُ اهـ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَشْعَرَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ بِقَلْبِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ) أَيْ وَلَوْ مَشُوبًا بِالدُّعَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِخُصُوصِ التَّلْبِيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ اقْتِرَانُهَا بِأَيِّ ذِكْرٍ كَانَ وَإِذَا لَبَّى فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِاللِّسَانِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: فَلَوْ ذَكَرَهَا بِقَلْبِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَالْأَخْرَسُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَقِيلَ لَا بَلْ يُسْتَحَبُّ اهـ وَمَالَ شَارِحُهُ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ فِي الْقِرَاءَةِ لِلصَّلَاةِ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَجَّ أَوْسَعُ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ أَوْ غَيْرِهَا كَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةَ) أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ؛ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ يَتَحَقَّقُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَنَبَّهَ عَلَى مَا وَقَعَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ حَيْثُ جَعَلُوا الشُّرُوعَ كَالْقِرَاءَةِ ط (قَوْلُهُ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ أَقَمْت بِبَابِك إقَامَةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَجَبْت نِدَاءَك إجَابَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَجُمْلَةُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُؤَكِّدِ وَالْمُؤَكَّدِ شَرْحُ اللُّبَابِ فَالتَّثْنِيَةُ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ كَمَا فِي - {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤]- أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَتَكْرَارُ اللَّفْظِ لِتَوْكِيدِ ذَلِكَ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا فَتَكُونُ إعَادَتُهُ ثَالِثًا لِمُبَالَغَةِ التَّأْكِيدِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَى لَبَّيْكَ وَالثَّالِثَةُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا فَرَاجِعْهُ اهـ
قُلْت: مُقْتَضَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، ثُمَّ قَالَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك اسْتِئْنَافٌ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ بِقَوْلِهِ: لَبَّيْكَ الثَّالِثَةِ لَا بِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَك وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ وَرَدَّهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ، نَعَمْ عَلَّلَ أَكْثَرُهُمْ الْأَفْضَلِيَّةَ بِأَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ لِلثَّنَاءِ فَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَالنِّعْمَةَ وَالْمُلْكَ أَوْ تَعْلِيقُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَسْرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا أَيْضًا وَمِنْهُ - {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣]- إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك - وَمِنْهُ: عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ هُنَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى التَّعْلِيلِ، وَحَكَى الشُّرَّاحُ عَنْ الْإِمَامِ الْفَتْحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفِرَاءِ الْكَسْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute