فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ جَمَاعَتِهَا أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَاسْتَقْبَلَ (الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيْهِ) كَالصَّلَاةِ (وَاسْتَلَمَهُ) بِكَفَّيْهِ وَقَبَّلَهُ بِلَا صَوْتٍ، وَهَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ؟ قِيلَ نَعَمْ (بِلَا إيذَاءٍ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ
ــ
[رد المحتار]
بَحْرٌ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ مَعَ أَنَّهَا تَحْصُلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ هِيَ الطَّوَافُ دُونَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمَسَاجِدِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْفَرْقَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ جِنْسٌ فَنَابَ بَعْضُهَا مَنَابَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ الطَّوَافُ مِنْ جِنْسِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَوْتَ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ فَبِالْأَوْلَى مَا هُنَا تَأَمَّلْ، وَزَادَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَوْتَ الْجِنَازَةِ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ اهـ وَذُكِرَ الْأَخِيرُ فِي اللُّبَابِ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَائِتَةِ الَّتِي فَوَّتَهَا عَمْدًا، وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَإِلَّا فَتَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَيْهَا لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا قَدَّمَ عَلَيْهَا الطَّوَافَ وَقَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْفَائِتَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ إلَخْ) أَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى أَنَّهُ يَنْوِي الطَّوَافَ قَبْلَ الِاسْتِقْبَالِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ يَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ، ثُمَّ يَمْشِي مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَجَرَ فَيَقِفَ بِحِيَالِهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ وَيُبَسْمِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُصَلَّى وَيَدْعُو اهـ قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا عِنْدَ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لُبَابٌ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِقْبَالِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا بِنَاءً عَلَى الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْحَجَرِ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالنِّيَّةِ قُبَيْلَ الْحَجَرِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الِاخْتِلَافِ.
(قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ) أَيْ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ فِي الِاسْتِلَامِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ وَالْكَعْبَةِ اهـ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمَشَى فِي النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُرْسِلَ يَدَيْهِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التُّحْفَةِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَصِفَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَيُكَرِّرُهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ لَكِنْ قَالَ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ اهـ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ مَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ فِي الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَتْحِ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهُ ضَعِيفٌ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى أَيْ إنَّ الْكَاكِيَّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَاهِرِينَ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي تَضْعِيفُ مَا نَقَلَهُ.
قُلْت: لَكِنْ اسْتَنَدَ الْكَاكِيُّ إلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي ذِكْرَهَا فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اسْتَنَدَ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْفَارُوقُ بَعْدَهُ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَاسْتَدْرَكَ بِذَلِكَ مُنْلَا عَلِيٍّ فِي شَرْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute