للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَهُ النَّفْرُ) مِنْ مِنًى (قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ لَا بَعْدَهُ) لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ (وَجَازَ الرَّمْيُ) كُلُّهُ (رَاكِبًا، وَ) لَكِنَّهُ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْأُولَى وَالْوُسْطَى (مَاشِيًا أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ (إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ) أَيْ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ وَالرَّاكِبُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ أَفْضَلِيَّةَ الْمَشْيِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ (وَلَوْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَتَاعَهُ وَخَدَمَهُ (إلَى مَكَّةَ وَأَقَامَ بِمِنًى) أَوْ ذَهَبَ لِعَرَفَةَ (كُرِهَ) إنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا إنْ أَمِنَ؛ وَكَذَا

ــ

[رد المحتار]

وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ انْتِهَاءَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَقَطْ، بَلْ يَشْمَلُ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ وَقْتٌ لِرَمْيِ الرَّابِعِ أَدَاءً، وَلِرَمْيِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَضَاءٌ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ) بِسُكُونِ الْفَاءِ: أَيْ الرُّجُوعُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ) وَلَكِنْ يَنْفِرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: أَيْ شَمْسِ الثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي الرَّابِعِ، وَلَوْ نَفَرَ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ الرَّابِعِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، فَإِنْ نَفَرَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ نَفَرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا لُبَابٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُنْتَقَى أَخْصَرُ، وَهِيَ: وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَغَيْرُ رَاكِبٍ أَفْضَلُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. اهـ.

وَفِي اللُّبَابِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا وَغَيْرَهَا مَاشِيًا فِي جَمِيعِ أَيَّامِ الرَّمْيِ اهـ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقِفُ: أَيْ لِلدُّعَاءِ بَعْدَ رَمْيِ الْأُولَيَيْنِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا دُعَاءَ بَعْدَهَا. وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ يَقِفُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْمِيهِ مَاشِيًا وَهُوَ كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ كَمَا مَرَّ، وَمَا لَا فَلَا ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَهُ حِكَايَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا ط وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا فَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الرُّكُوبُ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَشْيُ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَالَ: فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) أَيْ بِأَنَّ أَدَاءَهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنْ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ، وَرَمْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاكِبًا إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ كَطَوَافِهِ بِهِ رَاكِبًا. اهـ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ إلَّا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ.

قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَعْسَرُ رُكُوبُهُ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ، وَرُبَّمَا ضَلَّ عَنْهُ مَحْمَلُهُ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ يَرْمِي الْكُلَّ رَاكِبًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْضًا مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ فِي الْكُلِّ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْكُلَّ يَرْكَبُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ سَائِرِينَ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَيَرْمِي الْكُلَّ مَاشِيًا (قَوْلُهُ بِفَتْحَتَيْنِ إلَخْ) وَبِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ الْمَصْدَرُ وَبِسُكُونِهَا وَاحِدُ الْأَثْقَالِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ذَهَبَ لِعَرَفَةَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ بَدَلَ أَوْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَوْ تَرَكَهُ فِيهَا وَذَهَبَ لِعَرَفَةَ إذْ لَا يَصْلُحُ تَسْلِيطُ قَدَّمَ هُنَا إلَّا بِتَأْوِيلٍ (قَوْلُهُ كُرِهَ) لِأَثَرِ ابْنِ شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - " مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفَرِ فَلَا حَجَّ لَهُ " أَيْ كَامِلًا وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَبْلِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ بَحْرٌ.

وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا إنْ أَمِنَ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ أَخُوهُ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ التَّعْلِيلِ بِشَغْلِ الْقَلْبِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>