وَبَصَرُهُ مُلَاحِظٌ لِلْبَيْتِ
(وَسَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ عَمَّنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَسَاءَ (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً) عُرْفِيَّةً وَهُوَ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ، وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ (مِنْ زَوَالِ يَوْمِهَا) أَيْ عَرَفَةَ (إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ اجْتَازَ) مُسْرِعًا أَوْ (نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ.
ــ
[رد المحتار]
قَالَ السَّيِّدُ: وَرَأَيْت لِشَيْخِنَا بَدْرِ الدِّينِ بْنِ الصَّاحِبِ الْمِصْرِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ فُرَادَى بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَجَمَاعَةً بِأَلْفَيْ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِيهِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مُنْفَرِدًا فِي وَطَنِهِ غَيْرِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ كُلُّ مِائَةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَكُلُّ أَلْفِ سَنَةٍ بِأَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ.
فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَلَاةً وَاحِدَةً جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَفْضُلُ ثَوَابُهَا عَلَى ثَوَابِ مَنْ صَلَّى فِي بَلَدِهِ فُرَادَى حَتَّى بَلَغَ عُمُرَ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَحْوِ الضَّعْفِ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي هَذَا الْفَضْلِ هَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، أَوْ يَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ؟ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا: أَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالتَّعْمِيمُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قِيلَ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ وَأَيَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَقِيلَ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقِيلَ الْكَعْبَةُ خَاصَّةً، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ ثَوَابِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقُرُبَاتِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنَّهَا فِي الثُّبُوتِ لَيْسَتْ كَأَحَادِيثِ الصَّلَاةِ فِيهَا اهـ بِاخْتِصَارٍ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ صَحَّ فِي الْأَحَادِيثِ بِتَكْرَارِ الْأَلْفِ ثَلَاثًا، كَذَا كَتَبَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ. وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ يَعُمُّ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ جَمِيعَ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ.
(قَوْلُهُ وَسَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ إلَخْ) هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى عَنْوَنَ لَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ بِفَصْلٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ، فَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّتِهِ فِي حَقِّهِ. إمَّا لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً عِنْدَ التَّأْخِيرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَغْنَى عَنْهُ كَالْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ لِأَنَّ طَوَافَهَا أَغْنَى عَنْهُ، قَيَّدَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَقَضَاؤُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْقِرَانِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَيْ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ (قَوْلُهُ عُرْفِيَّةً) أَيْ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ لُغَوِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً كَمَا عَبَّرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْيَسِيرُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِسَاعَةٍ لَا بِوَقْفٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ اجْتَازَ) أَيْ مَرَّ. وَقَوْلُهُ مُسْرِعًا حَالٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ الْيَسِيرَةَ يَكْفِي مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْوُقُوفِ، فَإِنَّ الْمُسْرِعَ لَا يَخْلُو عَنْ وُقُوفٍ يَسِيرٍ عَلَى قَدَمٍ عِنْدَ نَقْلِ الْأُخْرَى، وَلِذَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْيِينِهِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْوُقُوفِ اهـ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَنَفَّلُ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي عَنْهُ جَوَابٌ.
قُلْت: قَدْ يُمْنَعُ كَوْنُ الْقِرَاءَةِ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُتَنَفَّلُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً: وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ وَكَذَا الْقِرَاءَةُ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ الِاعْتِكَافِ أَنَّ النَّذْرَ بِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا فُرِضَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute