فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ (ثُمَّ) بَعْدَ رَكْعَتَيْهِ (شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ وَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً) كَالْمُسْتَشْفِعِ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَنَلْهَا يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ وَالْتَصَقَ بِالْجِدَارِ (وَدَعَا مُجْتَهِدًا وَيَبْكِي) أَوْ يَتَبَاكَى (وَيَرْجِعُ قَهْقَرَى) أَيْ إلَى خَلَفٍ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ)
ــ
[رد المحتار]
أَوْ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ بَعْدَمَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ فَهُوَ لِلصَّدَرِ، وَإِنْ نَوَاهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إلَّا إذَا كَانَ الثَّانِي أَقْوَى، كَمَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدَرِ ثُمَّ عَادَ بِإِحْرَامِ عُمْرَةٍ فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ الصَّدَرِ، وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْهِ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ أَوَّلًا ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، وَأَنَّهُ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ التَّرْتِيبِ هُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ.
وَعَبَّرَ عَنْ الْآخَرِ بِقِيلَ لَكِنْ جَزَمَ بِالْقِيلِ هُنَا (قَوْلُهُ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ مُتَضَلِّعًا مِنْهُ مُتَنَفِّسًا فِيهِ مِرَارًا نَاظِرًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الْبَيْتِ مَاسِحًا بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ صَابًّا مِنْهُ عَلَى جَسَدِهِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَقَدَ فِي الْفَتْحِ لِذَلِكَ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى زَمْزَمَ آخِرَ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ ثُمَّ قَبَّلَ الْعَتَبَةَ الْمُرْتَفِعَةَ عَنْ الْأَرْضِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ) أَيْ ثُمَّ وَضَعَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَجْهَهُ) أَيْ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَيَرْفَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى عَتَبَةِ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَتَشَبَّثَ) أَيْ تَعَلَّقَ كَمَا يَتَعَلَّقُ عَبْدٌ ذَلِيلٌ بِطَرَفِ ثَوْبٍ لِمَوْلًى جَلِيلٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَدَعَا) أَيْ حَالَ تَشَبُّثِهِ بِالْأَسْتَارِ مُتَضَرِّعًا مُتَخَشِّعًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ قَهْقَرَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ اهـ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَالطَّرَابُلُسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ وَقَدْ فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ يَعْنِي أَصْحَابَ مَذْهَبِنَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْعَادَةُ بِهِ جَارِيَةٌ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ، وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنَّهُ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ صَدْمٌ أَوْ وَطْءٌ لِأَحَدٍ.
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُجَاوِرُ بِمَكَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ مَكْرُوهَةٌ أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ قَالَ الْخَائِفُونَ الْمُحْتَاطُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ، قَالَ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ تُنَاقِضُ فَضْلَ الْبُقْعَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ عِلَّتُهَا ضَعْفُ الْخَلْقِ وَقُصُورُهُمْ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمَوْضِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ. وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ يَعْنِي مَكْرُوهًا عِنْدَهُ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ أَوْ تَعَاظُمَهَا إنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوُجُوبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ. اهـ. نَهْرٌ.
مَطْلَبٌ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ.
[تَتِمَّةٌ]
قَالَ السَّيِّدُ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ: يَتَحَصَّلُ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا «أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَفْضُلُ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . الثَّانِيَةُ «بِأَلْفِ صَلَاةٍ» . الثَّالِثَةُ «بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» كَمَا فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ وَإِتْحَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ حَسَبَ النِّقَاشِ الْمُفَسِّرِ الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَلَغَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِ عُمُرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ عُمُرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَسَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute