وَفَضِيلَةً، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَمَا أَحَبَّهُ السَّلَفُ: (التَّيَامُنُ) فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَلَوْ مُسِحَا، لَا الْأُذُنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ، فَيُلْغَزُ، أَيُّ عُضْوَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِيهِمَا؟ .
(وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) بِظَهْرِ يَدَيْهِ (لَا الْحُلْقُومِ) لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
(وَمِنْ آدَابِهِ) عَبَّرَ بِمِنْ لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخَرَ أَوْصَلَهَا فِي الْفَتْحِ إلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ وَأَوْصَلْتهَا فِي الْخَزَائِنِ إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ
ــ
[رد المحتار]
لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ، إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ. اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَا شُبْهَةَ أَنَّ النَّوَافِلَ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا فِعْلُهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا بِلَا عَارِضٍ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَرْكَهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَفَضِيلَةً) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَفْضُلُ تَرْكَهُ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاضِلٍ؛ أَوْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَاعِلُهُ ذَا فَضِيلَةٍ بِالثَّوَابِ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ فَالْأَوْلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ، وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: التَّيَامُنُ) أَيْ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ، لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» الطُّهُورُ هُنَا بِضَمِّ الطَّاءِ وَالتَّرَجُّلُ: مَشْطُ الشَّعْرِ دُرُّ مُنْتَقِي. وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَا الْعَادَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّهَا هُنَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ، لَكِنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ يُنَافِيهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ أَيْ عَدَمَ اخْتِصَاصِهَا بِالْوُضُوءِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: وَشَأْنِهِ كُلِّهِ يُنَافِي كَوْنَهُ سُنَّةً لَهُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا فِيهِ كَمَا فِي التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ.
قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى النِّيَّةِ وَالسِّوَاكِ بِلَا اخْتِصَاصٍ بِالْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِهِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسْحًا) أَيْ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَالْجَبِيرَةِ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ التَّيَامُنَ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ: أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى السَّاقِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّيَامُنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا الْأُذُنَيْنِ) أَيْ فَيَمْسَحُهُمَا مَعًا إنْ أَمْكَنَهُ، حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِظَهْرِ يَدَيْهِ) أَيْ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بِلَتِّهِمَا بَحْرٌ، فَقَوْلُ الْمُنْيَةِ: بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِهَا الْكَبِيرِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُنْيَةِ بِظَهْرِ الْأَصَابِعِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ) إذْ لَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ: إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ) عِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ وَالنَّيِّفُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ: مَا زَادَ عَلَى الْعِقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعِقْدَ الثَّانِيَ قَامُوسٌ. مَطْلَبٌ فِي تَتْمِيمِ مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْهَا هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ، وَلْنَذْكُرْ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ الْفَتْحِ وَالْخَزَائِنِ؛ فَمِنْهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ، وَتَرْكُ التَّمَسُّحِ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتِقَاؤُهُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَنَزْعُ خَاتَمٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيِّهِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَكَوْنُ آنِيَتِهِ مِنْ خَزَفٍ، وَأَنْ يَغْسِلَ عُرْوَةَ الْإِبْرِيقِ ثَلَاثًا، وَوَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَاءٌ يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ حَالَةَ الْغَسْلِ عَلَى عُرْوَتِهِ لَا رَأْسِهِ، وَذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَاسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ