للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُمَا لَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوُجُودِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ مِنْ الْآفَاقِيِّ مُبْطِلًا تَمَتُّعَهُ وَالْمَكِّيُّ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ فَيَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ. وَيُحْتَمَلُ نَفْيُ الْحِلِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ فَاشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ الْإِلْمَامِ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُودِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ الْمُوجِبِ شَرْعًا لِلشُّكْرِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ.

وَاَلَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ اخْتِيَارُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي صَاحِبَ التُّحْفَةِ وَغَيْرَهُ، بَلْ اخْتَارَ أَيْضًا مَنْعَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُجَرَّدَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ، وَخَالَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالشُّرُنْبُلالي وَالْقَارِيّ وَاخْتَارُوا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ لِأَنَّ إيجَابَ دَمِ الْجَبْرِ فَرْعٌ لِلصِّحَّةِ، وَلِمَا فِي الْمُتُونِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا طَافَ شَوْطًا لِلْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ. فَإِذَا لَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا إلَّا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَصْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ إثْمَهُ كَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ نَذْرِهِ اهـ فَهَذَا يُنَاقِضُ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ أَوَّلًا: أَيْ فَإِنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ قِرَانُ الْمَكِّيِّ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.

أَقُولُ: وَقَدْ كُنْت كَتَبْت عَلَى هَامِشِهَا بَحْثًا حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ دُونَ الْقِرَانِ، وَأَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ مُبْطِلٌ لِلتَّمَتُّعِ دُونَ الْقِرَانِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ تَمَتُّعَ الْمَكِّيِّ بَاطِلٌ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ بَيْنَ إحْرَامَيْهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إنَّمَا يَصِحُّ إلْمَامُهُ إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى الْعَوْدُ إلَى مَكَّةَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَالْمَكِّيُّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ عَدَمُ الْعَوْدِ إلَى مَكَّةَ لِكَوْنِهِ فِيهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا.

وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَى الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْقِرَانِ، فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقِرَانَ الْمَشْرُوعَ مَا يَكُونُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ مَا يَكُونُ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَهَذَا يَكُونُ فِي التَّمَتُّعِ دُونَ الْقِرَانِ، فَمِنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ تَمَتُّعَ الْمَكِّيِّ بَاطِلٌ دُونَ قِرَانِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، لَكِنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُ الْبَدَائِعِ بِعَدَمِ تَصَوُّرِ تَمَتُّعِ الْمَكِّيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّهُ خَاصٌّ بِمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ دُونَ مَنْ سَاقَهُ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ ولَمْ يَحْلِقْ لِأَنَّ إلْمَامَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ إلْمَامَهُ صَحِيحٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِبَارَةُ الْمُحِيطِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ قِرَانِهِ. ثُمَّ رَأَيْت مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَذَلِكَ مَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَسْرَارِ لِلْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا مُتْعَةَ عِنْدَنَا وَلَا قِرَانَ لِمَنْ كَانَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ نُسُكًا، أَمَّا التَّمَتُّعُ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِلْإِلْمَامِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا الْقِرَانُ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ لِأَنَّ الْقِرَانَ أَصْلُهُ أَنْ يَشْرَعَ الْقَارِنُ فِي الْإِحْرَامَيْنِ مَعًا وَالشُّرُوعُ مَعًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخَلَلٍ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَرَمِ فَقَطْ أَخَلَّ بِشَرْطِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ الْحِلُّ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ أَخَلَّ بِمِيقَاتِ الْحَجَّةِ لِأَنَّ مِيقَاتَهَا الْحَرَمُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ فَلِذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّ مَنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ أَيْضًا اهـ أَيْ أَنَّ مَنْ كَانَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ: أَيْ دَاخِلَهُ لَهُمْ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ التَّمَتُّعُ وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الْقِرَانُ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلْإِخْلَالِ بِمِيقَاتِ أَحَدِ الْإِحْرَامَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>