للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَجِبُ عَلَى نَائِمٍ غَطَّى رَأْسَهُ (إنْ طَيَّبَ عُضْوًا) كَامِلًا وَلَوْ فَمَه

ــ

[رد المحتار]

قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ، وَلَا يُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَالَ أَنَا أَفْدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَجَهَالَةُ هَذَا كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا اهـ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحُدُودِ فَقَالُوا إنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذَّنْبِ وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ، فَإِنْ تَابَ كَانَ الْحَدُّ طُهْرَةً لَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ التَّيْسِيرَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: ٩٤] أَيْ اصْطَادَ بَعْدَ هَذَا الِابْتِدَاءِ قِيلَ هُوَ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ اهـ وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَتَقْيِيدٌ مُسْتَحْسَنٌ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَلَى غَيْرِ الْمُصِرِّ وَمَا فِي غَيْرِهِ عَلَى الْمُصِرِّ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا التَّوْفِيقَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ. [تَتِمَّةٌ]

يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِطْلَاقِ الْمَارِّ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ مَا فِي اللُّبَابِ: لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَهُ فِيهَا إلَّا فِيمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ، وَهِيَ تَرْكُ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ وَتَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَتَرْكُ الصَّدْرِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَتَرْكُ السَّعْيِ وَتَرْكُ الْحَلْقِ لِعِلَّةٍ فِي رَأْسِهِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ شَارِحُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ: وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مَانِعٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا يُؤَثِّرُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدَمًا لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَدَمًا لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي إحْصَارِ الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَيَجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ الَّذِي أَفَادَهُ ذِكْرُ النَّاسِي وَالْمَكْرُوهِ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لِلنَّائِمِ وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ، كَمَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنَحٌ ط (قَوْلُهُ غَطَّى رَأْسَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ.

(قَوْلُهُ إنْ طَيَّبَ) أَيْ الْمُحْرِمُ عُضْوًا: أَيْ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ طِيبًا أَوْ ثِمَارًا طَيِّبَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ، وَقُيِّدَ بِالْمُحْرِمِ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَوْ طَيَّبَ عُضْوًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَانْتَقَلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ لَوْ طَيَّبَ عُضْوَ غَيْرِهِ أَوْ أَلْبَسَهُ الْمَخِيطَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَامِلًا) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْكَثْرَةُ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِاخْتِلَافِ عِبَارَاتِ مُحَمَّدٍ، فَفِي بَعْضِهَا جَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ عُضْوًا كَبِيرًا، وَفِي بَعْضِهَا فِي تَنَفُّسِ الطِّيبِ، فَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الثَّانِيَ فَقَالَ: إنْ بِحَيْثُ يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ كَالْكَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَالْكَفِّ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>