بِأَكْلِ طِيبٍ كَثِيرٍ أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا لَوْ جُمِعَ، وَالْبَدَنُ كُلُّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ وَإِلَّا فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ ذَبَحَ وَلَمْ يُزِلْهُ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِتَرْكِهِ، وَأَمَّا الثَّوْبُ الْمُطَيَّبُ أَكْثَرُهُ
ــ
[رد المحتار]
مِسْكٍ وَغَالِيَةٍ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَا لَا فَلَا. وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ بِرُبْعِ الْعُضْوِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: لَوْ طَيَّبَ رُبْعَ السَّاقِ أَوْ الْفَخِذَ يَلْزَمُ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ يَلْزَمُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنْ كَانَ الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ الْكَامِلِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُعْتَبَرُ الْعُضْوُ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِالْقَلِيلِ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بِالْكَثِيرِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَ الدَّمُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ وَرُجِّحَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا فِي الْمُتُونِ فَافْهَمْ.
هَذَا وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَوْلُهُ كَالرَّأْسِ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْعُضْوِ فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا. اهـ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ إنَّ الْمُرَادَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعُضْوِ الصَّغِيرِ مِثْلَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْعُضْوَ الْكَامِلَ قَيَّدَهُ بِالْكَبِيرِ اهـ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ فِيمَا دُونَ الْكَامِلِ صَدَقَةً هُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ بَلَغَ نِصْفَ الْعُضْوِ تَجِبُ صَدَقَةٌ قَدْرَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ رُبْعًا فَرُبْعٌ وَهَكَذَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ بِأَكْلِ طِيبٍ) أَيْ خَالِصٍ بِلَا خَلْطٍ وَبِلَا طَبِيخٍ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ (قَوْلُهُ كَثِيرٍ) هُوَ مَا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذِهِ تَشْهَدُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. بَحْرٌ أَيْ فَإِنَّ لُزُومَ الدَّمِ بِالطِّيبِ الْكَثِيرِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْفَمِ يَشْهَدُ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَوْ فَمَه بَعْدَ قَوْلِهِ عُضْوًا كَامِلًا فِيهِ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَثِيرِ هُنَا مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْفَمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى عُضْوًا: أَيْ أَوْ طَيَّبَ مَوَاضِعَ لَوْ جُمِعَتْ تَبْلُغُ عُضْوًا كَامِلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ بُلُوغِ أَصْغَرِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُطَيَّبَةِ كَمَا اعْتَبَرُوهُ بِانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ بَعْدَ كَوْنِ ذَلِكَ الْأَصْغَرِ عُضْوًا كَبِيرًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ إلَّا إذَا كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فَلِكُلِّ طِيبٍ) أَيْ طِيبِ مَجْلِسٍ مِنْ تِلْكَ الْمَجَالِسِ إنْ شَمِلَ عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِتَرْكِهِ) لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الْمُطَيَّبُ أَكْثَرُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ الثَّوْبِ لَا كَثْرَةُ الطِّيبِ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيَّةَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَثْرَةُ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ وَأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْعُرْفُ، حَتَّى إنَّهُ فِي الْبَحْرِ جَعَلَ هَذَا مُرَجِّحًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ.
قُلْت: لَكِنْ نَقَلُوا عَنْ الْمُجَرَّدِ إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ اهـ أَيْ حَيْثُ أَوْجَبَ بِهِ صَدَقَةً لَا دَمًا، وَمَعَ هَذَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْكَثْرَةِ فِي الثَّوْبِ لَا فِي الطِّيبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ الثَّوْبِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشِّبْرِ كَثِيرٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ لِكَثْرَةِ الطِّيبِ حِينَئِذٍ عُرْفًا، فَرَجَعَ إلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي الطِّيبِ لَا فِي الثَّوْبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute