فَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الدَّمِ دَوَامُ لُبْسِهِ يَوْمًا (أَوْ خَضْبُ رَأْسِهِ بِحِنَّاءٍ) رَقِيقٍ، أَمَّا الْمُتَلَبِّدُ فَفِيهِ دَمَانِ (أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ (وَلَوْ) كَانَا (خَالِصَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الطِّيبِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ
(فَلَوْ أَكَلَهُ) أَوْ اسْتَعَطَهُ (أَوْ دَاوَى بِهِ) جِرَاحَهُ أَوْ (شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ لَا يَجِبُ دَمٌ وَلَا صَدَقَةٌ) اتِّفَاقًا (بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةُ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا) مِمَّا هُوَ طِيبٌ بِنَفْسِهِ (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ) وَلَوْ (عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) وَلَوْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ
ــ
[رد المحتار]
وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ إجْرَاءُ التَّوْفِيقِ الْمَارِّ هُنَا أَيْضًا بِأَنَّ الطِّيبَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا لَزِمَ الدَّمُ وَإِنْ أَصَابَ مِنْ الثَّوْبِ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَلْزَمُ حَتَّى يُصِيبَ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ، وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ رَبَطَ مِسْكًا أَوْ كَافُورًا أَوْ عَنْبَرًا كَثِيرًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ أَوْ رِدَائِهِ لَزِمَهُ دَمٌ، أَيْ إنْ دَامَ يَوْمًا وَلَوْ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الدَّمِ) أَفْرَدَ الدَّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوْبِ ثَوْبُ الْمُحْرِمِ مِنْ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَخِيطًا فَيَجِبُ بِدَوَامِ لُبْسِهِ دَمٌ آخَرُ سَكَتَ عَنْ بَيَانِهِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ دَوَامُ لُبْسِهِ يَوْمًا) أَشَارَ بِتَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ بِالزَّمَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الزَّمَانُ، حَتَّى لَوْ غَسَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ أَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ) أَيْ مَثَلًا وَإِلَّا فَلَوْ خَضَبَتْ يَدَهَا أَوْ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ وَجَبَ الدَّمُ أَيْضًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِحِنَّاءٍ) بِالْمَدِّ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ فُعَالٌ لَا فَعْلَاءُ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلِفُ التَّأْنِيثِ فَتْحٌ، وَصُرِّحَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الطِّيبِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُتَلَبِّدُ إلَخْ) التَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيَّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ بَحْرٌ؛ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الثَّخِينُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ اهـ أَمَّا لَوْ غَطَّاهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهَا.
وَاسْتُشْكِلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلْزَامُ الدَّمِ بِالتَّغْطِيَةِ بِالْحِنَّاءِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا.
قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالتَّلْبِيدِ مُعْتَادَةٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي لِدَفْعِ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ عَنْ الشَّعْرِ، وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْرَامِهِ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ التَّغْطِيَةِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ، لَكِنْ أَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ التَّلْبِيدَ الَّذِي فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ سَائِغٌ وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا تَحْصُلُ بِهِ تَغْطِيَةٌ. قُلْت: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رَشِيدِ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّهَنَ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ دَهَنَ عُضْوًا كَامِلًا لُبَابٌ. وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ كَثْرَةَ الطِّيبِ بِمَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ. قَالَ: وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَكُونُ عُضْوًا كَامِلًا عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَأَنَّهُ فِي النَّوَادِرِ أَوْجَبَ الدَّمَ بِدَهْنِ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبْعِ فِي الطِّيبِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الطِّيبِ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَى فِيهِمَا الْأَنْوَارُ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرَانِ طِيبًا، وَلَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ طِيبٍ، وَيَقْتُلَانِ الْهَوَامَّ، وَيُلَيِّنَانِ الشَّعْرَ، وَيُزِيلَانِ التَّفَثَ وَالشَّعَثَ بَحْرٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَأَرَادَ بِالزَّيْتِ دُهْنَ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّيْرَجِ، فَخَرَجَ بَقِيَّةُ الْأَدْهَانِ كَالشَّحْمِ وَالسَّمْنِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ خُرُوجُ نَحْوِ دُهْنِ اللَّوْزِ وَنَوَى الْمِشْمِشِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ أَكَلَهُ) أَيْ دُهْنَ الزَّيْتِ أَوْ الْحَلِّ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِمَكَانٍ أَوْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ ادَّهَنَ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَهُ) أَيْ اسْتَنْشَقَهُ بِأَنْفِهِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ الطِّيبِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ الطِّيبَ فِي طَعَامٍ إلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute