أَيْ حَيَوَانًا بَرِّيًّا مُتَوَحِّشًا بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ (أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ) مُصَدِّقًا لَهُ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا طَافَ الْبَاقِيَ وَسَعَى أَوَّلًا لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّهُ بِالْحَلْقِ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ بِخِلَافِ إحْرَامِ الْحَجِّ. وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانًا بَرِّيًّا إلَخْ) زَادَ غَيْرُهُ فِي التَّعْرِيفِ مُمْتَنِعًا بِجَنَاحِهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، احْتِرَازًا عَنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ. وَالْبَرِّيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَثْوَى، أَيْ الْمَكَانِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَحْرِيِّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ لِأَنَّ التَّوَالُدَ أَصْلٌ وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ عَارِضٌ، فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعُ الْمَائِيُّ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيُّ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ لِلْمُحْرِمِ بِنَصِّ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. خِلَافًا لِمَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالسَّمَكِ خَاصَّةً. أَمَّا الْبَرِّيُّ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَالْخِنْزِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ بَعْدُ مِنْ الذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالسَّبْعِ الصَّائِلِ، وَأَمَّا بَاقِي الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصَيْدٍ.
قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَمَّا طُيُورُ الْبَحْرِ فَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهَا لِأَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْبَرِّ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ فَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْمَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِلَّا نَافَى مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ التَّوَالُدِ فَافْهَمْ، وَدَخَلَ فِي الْمُتَوَحِّشِ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ نَحْوُ الظَّبْيِ الْمُسْتَأْنَسِ وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُ بِالذَّبْحِ، وَخَرَجَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ إذَا اسْتَوْحَشَا وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُمَا بِالْبَقَرِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الصَّيْدِيَّةِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ، وَفِي الذَّكَاةِ الْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ بَحْرٌ، وَخَرَجَ الْكَلْبُ وَلَوْ وَحْشِيًّا لِأَنَّهُ أَهْلِيٌّ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ، أَمَّا الْبَرِّيُّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ فَتْحٌ وَجُزِمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ كَالْكَلْبِ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ يَحِلُّ صَيْدُهُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ " وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. اهـ. وَفِيهِ: وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ مَا تَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَحْشِيَّةَ الْخِلْقَةِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسْتَأْنَسَةً كَالْجَامُوسِ، فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ مُسْتَوْحِشٌ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ اهـ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ مِنْهُمْ فِي بِلَادِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صَيْدُهُ مَا دَامَ فِيهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلُهُ) أَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَلَالَةً حَقِيقِيَّةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا بَحْرٌ، فَدَخَلَ فِيهَا الْإِشَارَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ وَهِيَ مَا يَكُونُ بِالْحَضْرَةِ، وَفَسَّرَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا تَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ أَعَمُّ لِحُصُولِهَا بِاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ يُغْنِي عَنْ الْإِشَارَةِ، وَقَدْ تُخَصُّ الْإِشَارَةُ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الْمُصَنِّفُ أَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا لَا. قَالَ: فَكُلُوا» وَقَوْلُ الْبَحْرِ إنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةُ لَا يَشْمَلُ الْأَمْرَ، إذْ لَا إعَانَةَ فِيهِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، نَعَمْ يَشْمَلُ مَا لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ مَكَانًا فَدَلَّهُ عَلَى طَرِيقِهِ أَوْ عَلَى بَابِهِ، وَمَا لَوْ دَلَّهُ عَلَى آلَةٍ يَرْمِيهِ بِهَا، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهَا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَاتِلِ سِلَاحٌ غَيْرُهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. [تَنْبِيهٌ]
قُيِّدَ الدَّالُّ بِالْمُحْرِمِ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَيْهِ، وَأُطْلِقَ فِي الْقَاتِلِ لِأَنَّ الدَّالَّ الْحَلَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ عَلَى مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الْكُتُبِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَدْلُولِ مُحْرِمًا فَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ دُونَ الْمَدْلُولِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ مُصَدِّقًا لَهُ) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute