للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضِيعٍ لَهُ) لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ

وَفِي كَرَاهَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى: شَرَى عَصَافِيرَ مِنْ الصَّيَّادِ وَأَعْتَقَهَا جَازَ إنْ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ. اهـ. قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَتَقْيِيدُ الْإِطَارَةِ بِالْإِبَاحَةِ

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَهِيَ مَنْ أَحْرَمَ فِي الْحِلِّ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ، أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ لَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمَعْنَى الْإِطَارَةِ لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ فِيهِ: أَيْ فِي الْحَرَمِ، وَتَعْلِيلُهُ لَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَصَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يَصِيرُ آمِنًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَخْ؛ وَكَذَا قَوْلُ اللُّبَابِ: وَلَوْ أَدْخَلَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ صَيْدَ الْحِلِّ الْحَرَمَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَلَوْ كَانَ جَارِحًا إلَخْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ إيدَاعُ الْجَارِحِ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ إرْسَالُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ عَادَةَ الْجَارِحِ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَكَذَا قَوْلُ اللُّبَابِ لَوْ أَخَذَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحِلِّ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ وُصُولَهُ إلَى الْحَرَمِ آمِنًا فَكَيْفَ إذَا أَوْدَعَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضِيعٍ لَهُ) يُفَسِّرُهُ مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ كَأَنْ يُودِعَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ فِي قَفَصٍ (قَوْلُهُ وَفِي كَرَاهَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى) إلَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ إعْتَاقَ الصَّيْدِ أَيْ إطْلَاقَهُ مِنْ يَدِهِ جَائِزٌ إنْ أَبَاحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ، وَقِيلَ لَا: أَيْ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ حُرْمَةِ التَّسْيِيبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَبَاحَهُ فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدٍ فَيَبْقَى سَائِبَةً، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدٌ فَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدٌ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ مَلَكَهُ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا أَوْ لَا لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ لِمَا فِي لُقَطَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، وَلَكِنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا مِنْهُ إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ الرَّمْيِ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَخْسِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إعْتَاقُ الصَّيْدِ كَذَلِكَ وَتَكُونَ فَائِدَةُ الْإِبَاحَةِ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، لَكِنْ فِي لَفْظَةِ التَّتَارْخَانِيَّة: تَرَكَ دَابَّةً لَا قِيمَةَ لَهَا مِنْ الْهُزَالِ وَلَمْ يُبِحْهَا وَقْتَ التَّرْكِ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَأَصْلَحَهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ لِلْآخِذِ كَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَطْرُوحَةِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَكُونُ لِصَاحِبِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ لَجَوَّزْنَا فِي الْجَارِيَةِ تُرْمَى فِي الْأَرْضِ مَرِيضَةً لَا قِيمَةَ لَهَا فَيَأْخُذُهَا رَجُلٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فَيَطَؤُهَا مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا إرْثٍ وَلَا صَدَقَةٍ أَوْ يُعْتِقُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَهَا وَهَذَا أَمْرٌ قَبِيحٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَيَوَانِ كَالْقُشُورِ يَكُونُ طَرْحُهُ إبَاحَةً بِدُونِ تَصْرِيحٍ وَأَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَمْ يُبِحْهَا، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ.

وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ؛ وَيَأْتِي قَرِيبًا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الْمُحْرِمِ لَوْ أَرْسَلَهُ يَكُونُ إبَاحَةً لِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ كَقُشُورِ الرُّمَّانِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ إعْتَاقُ الصَّيْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَبَاحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ تَقْيِيدَ الْإِطَارَةِ: أَيْ الَّتِي فُسِّرَ بِهَا الْإِرْسَالُ بِالْإِبَاحَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمِعْرَاجِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ، فَإِنَّ إرْسَالَ الصَّيْدِ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ كَتَسْيِيبِ الدَّابَّةِ؛ بَلْ هُوَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهُ لِلْعَلَفِ أَوْ يُبِيحَ لِلنَّاسِ أَخْذَهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَقَالَ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضِيعُ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>