فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ) لِلَّهِ تَعَالَى (وَ) لَكِنْ (رَجَعَ الْآخِذُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَكُلِّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ) يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ لَا مُطْلَقًا، إذْ لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ قَطَعَ نَبَاتَ الْحَرَمِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ (فَعَلَى الْقَارِنِ) وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ (دَمَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ) فَتُثَنَّى أَيْضًا لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْهِ (إلَّا بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ
ــ
[رد المحتار]
وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ: لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ، فَزَادَ الْمَجْنُونَ لِأَنَّهُ كَالصَّبِيِّ كَمَا مَرَّ، وَعَبَّرَ بِالْكَافِرِ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ غَيْرُ قَيْدٍ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ قَوْلِهِ مُحْرِمٌ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، وَإِلَّا فَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِلنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ) بَلْ عَلَى الْآخِذِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ) وَهُنَا لَمَّا قَرَّرَ عَلَى الْآخِذِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ لَزِمَهُ.
(قَوْلُهُ وَكُلِّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ) لَوْ قَالَ كَفَّارَةٌ لَشَمِلَ الصَّدَقَةَ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكَفَّارَةِ مَا يَشْمَلُ كَفَّارَةَ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ لِلضَّرُورَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ إلَخْ) أَيْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: أَيْ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِسَبَبِ نَفْسِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَلَا مَا حَرُمَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ كَاللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالَةِ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ، فَخَرَجَ مَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا؛ كَمَا لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ أَوْ الرَّمْيَ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَلَا تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ بَلْ هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَكَذَا لَوْ طَافَ جُنُبًا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، بِخِلَافِ نَحْوِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَلِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَفْعَالِهِمَا، فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَارِنِ لِتَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامَيْنِ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَطَعَ نَبَاتَ الْحَرَمِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْقَارِنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ لَا تَعَلُّقَ لِلْإِحْرَامِ بِهِ، بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ تَسْتَتْبِعُ أَدْنَاهُمَا وَالْإِحْرَامُ أَقْوَى فَكَانَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ لَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحَرَمِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا. اهـ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَقْرِيرُهُ هُنَا. وَظَاهِرُ تَقْرِيرِ السِّرَاجِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ مَا كَانَ فِعْلًا احْتِرَازًا عَمَّا كَانَ تَرْكًا كَتَرْكِ السَّعْيِ وَحَدِّ الْوُقُوفِ وَالطَّهَارَةِ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّارِحِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ) أَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ اللُّبَابِ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْجَزَاءَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ، لَكِنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِمِائَةِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ جَنَى قَبْلَ رَفْضِهَا فَعَلَيْهِ مِائَةُ جَزَاءٍ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْهِ) أَيْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِتَعَدُّدِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَعَدُّدِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَارِنِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا جَوَابَهُ هُنَاكَ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ سَقَطَ الدَّمُ ط.
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةً يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا دَمَانِ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا، وَهِيَ غَيْرُ وَارِدَةٍ لِأَنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَالثَّانِيَ لِتَرْكِهِ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ الْتَحَقَ بِأَهْلِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ لَيْسَ بِقَارِنٍ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ الْوَاحِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute