النَّفَقَةِ كَالنَّفْلِ (لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ (أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ) ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَجَازَ حَجُّ الصَّرُورَةِ) بِمُهْمَلَةٍ: مَنْ لَمْ يَحُجَّ (وَالْمَرْأَةُ) وَلَوْ أَمَةً (وَالْعَبْدُ وَغَيْرُهُ) كَالْمُرَاهِقِ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْخِلَافِ (وَلَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا) أَوْ مَجْنُونًا
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ لَا يَخْلُو الْمَأْمُورُ مِنْ الثَّوَابِ، بَلْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ عَنْ مَنَاسِكِ الْقَاضِي حَجُّ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ أَدَّى فَرْضَ الْحَجِّ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالنَّفْلِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّفَلَ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ اتِّفَاقًا، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ. وَرَدَّهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ لِمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: الْحَجُّ التَّطَوُّعُ عَنْ الصَّحِيحِ جَائِزٌ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْأَصْلِ يَكُونُ الْحَجُّ عَنْ الْمُحِجِّ اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ صِحَّتُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ ط أَيْ كَمَا تَصِحُّ إنَابَةُ ذِمِّيٍّ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ) عَبَّرَ بِالصِّحَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ لِيَعُمَّ الْمُرَاهِقَ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِلصِّحَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْأَهْلِيَّةُ دُونَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَدُونَ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ (قَوْلُهُ بِمُهْمَلَةٍ) أَيْ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَبِتَخْفِيفِ الرَّاءِ. مَطْلَبٌ فِي حَجِّ الصَّرُورَةِ (قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ) كَذَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالصَّرُورَةُ يُرَادُ بِهِ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ. أَيْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ هَذَا الَّذِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَصْلًا وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا أَوْ فَرْضًا فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ حَجَّهُمْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ مُسْتَحَبَّةٌ فَافْهَمْ. وَعَلَّلَ فِي الْفَتْحِ الْكَرَاهَةَ فِي الْمَرْأَةِ بِمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ حَجَّهَا أَنْقَصُ؛ إذْ لَا رَمَلَ عَلَيْهَا، وَلَا سَعْيَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا رَفْعَ صَوْتٍ بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَا حَلْقَ. وَفِي الْعَبْدِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَأَطْلَقَ فِي صِحَّةِ إحْجَاجِ الْعَبْدِ، فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ فَافْهَمْ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ كَرَاهَةَ إحْجَاجِ الصَّرُورَةِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ فَرْضَ الْحَجِّ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لَعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْفَوَاتُ، إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ لِقَوْلِهِمْ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا لَا يُنَافِي كَلَامَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ فِي الْمَأْمُورِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى الْآمِرِ، فَيُوَافِقُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقّه تَنْزِيهِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ تَحْرِيمِيَّةً.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي نَهِجْ النَّجَاةِ لِابْنِ حَمْزَةَ النَّقِيبِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْبَحْرِ الْمَارِّ: أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّ الصَّرُورَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute