وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ خَلَطَ النَّفَقَةَ بِمَالِهِ وَحَجَّ وَأَنْفَقَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ جَازَ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ (وَشَرْطُ الْعَجْزِ) الْمَذْكُورِ (لِلْحَجِّ الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ) لِاتِّسَاعِ بَابِهِ.
(وَيَقَعُ الْحَجُّ) الْمَفْرُوضُ (عَنْ الْآمِرِ عَلَى الظَّاهِرِ) مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ
ــ
[رد المحتار]
بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا جَوَازُهُ عَلَى الْحَجِّ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عَامَّةِ مُتُونِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ كَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهَا، بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ [بُلُوغِ الْإِرَبِ] إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِنَا جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ. اهـ. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ هَدْمُ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ يُنْفِقُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْفَضْلِ، وَاشْتِرَاطُ الْإِنْفَاقِ بِقَدْرِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ أَكْثَرِهِ، وَأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ لِوَارِثٍ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ لِأَنَّهُ كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ بِلَا إجَازَةِ الْبَاقِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا [شِفَاءُ الْعَلِيلِ] فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفَاءٌ بِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِيهِ، إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِبَغْتَةِ الْحَاجَةِ وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَاضِرًا فَجُوِّزَ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ، وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّبَرُّعِ لَا مُطْلَقًا. اهـ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إذَا خَلَطَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ النَّفَقَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ، فَإِنْ حَجَّ وَأَنْفَقَ جَازَ وَبَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ. اهـ.
إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَوْلُهُ وَأَنْفَقَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ الضَّمِيرَانِ لِمَالِ الْآمِرِ، وَفِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ أَيْ مِقْدَارُ كُلِّهِ أَوْ مِقْدَارُ أَكْثَرِهِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَالْمَعْنَى وَلَوْ أَنْفَقَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَحَجَّ وَأَنْفَقَ مِقْدَارَ كُلِّ مَالِ الْآمِرِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَوْ مِقْدَارَ أَكْثَرِهِ جَازَ، وَكَذَا إذَا خَلَطَ النَّفَقَةَ بِمَالِهِ وَحَجَّ وَأَنْفَقَ إلَخْ أَفَادَهُ ح وَقَوْلُهُ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ أَيْ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ عَلَى مَا عَلِمْته، وَهَذَا لَوْ بِلَا إذْنِ الْآمِرِ بَلْ نَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَهُ الْخَلْطُ بِدَرَاهِمِ الرُّفْقَةِ أُمِرَ بِهِ أَوْ لَا لِلْعُرْفِ. [تَنْبِيهٌ] سَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاللَّفْظِ فَيُعْتَبَرُ لَفْظُ الْمُوصِي وَهُوَ أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُبَدَّلُ اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا إذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمَالِهِ كَالْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ الْعَجْزِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ أَنَّ الشُّرُوطَ كُلَّهَا شُرُوطٌ لِلْحَجِّ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّفْلِ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَكَذَا عَدَمُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لِاتِّسَاعِ بَابِهِ) أَيْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي النَّفْلِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْفَرْضِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا الْحَجُّ النَّفَلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَشَقَّتَيْنِ أَيْ مَشَقَّةِ الْبَدَنِ وَمَشَقَّةِ الْمَالِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ تَرْكُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إحْدَاهُمَا تَقَرُّبًا إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ صَحِيحًا. اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بَحْرٌ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ الْآثَارُ مِنْ السُّنَّةِ وَبَعْضُ الْفُرُوعِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا إلَخْ) ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ، قَالُوا: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ لَا عَنْ الْمَأْمُورِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute