للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي تَرِكَةِ الْمَأْمُورِ، فَلْيُرَاجَعْ (لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) خِلَافًا لَهُمَا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. [فُرُوعٌ] يَصِيرُ مُخَالِفًا بِالْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ كَمَا مَرَّ لَا بِالتَّأْخِيرِ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَإِنْ عُيِّنَتْ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ،

ــ

[رد المحتار]

مِثَالُهُ: أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَمَاتَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَدَفَعَ الْوَصِيُّ لِلْمَأْمُورِ أَلْفًا فَسُرِقَتْ، فَعِنْدَ الْإِمَامِ يُؤْخَذُ مَا يَكْفِي مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفٌ، فَإِنْ سُرِقَتْ يُؤْخَذُ مِنْ ثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مَا ثُلُثُهُ يَكْفِي الْحَجَّ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا سُرِقَ الْأَلْفُ الْأَوَّلُ لَمْ يَبْقَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ إلَّا ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَتُدْفَعُ لَهُ إنْ كَفَّتْ، وَلَا تُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ فَضَلَ مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى مَا يُبَلِّغُ الْحَجَّ حَجَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا إنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَزِدْ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَتْحِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ، فَلَوْ فِي يَدِ الْوَصِيِّ بَعْدَمَا قَاسَمَ الْوَرَثَةَ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي تَرِكَةِ الْمَأْمُورِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَةِ الْآمِرِ فِي تَرِكَةِ الْمَأْمُورِ بِمَا بَقِيَ مَعَهُ فَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ مَا بَقِيَ مَعَ الْمَأْمُورِ لَا يَمْلِكُهُ، بَلْ لَوْ أَتَمَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْفَاضِلِ كَمَا يَأْتِي، فَيُصَدَّقُ عَلَى هَذَا الْبَاقِي أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ بِثُلُثِ الْبَاقِي مِمَّا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ، وَالْمَأْمُورُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُمْ بِمَا أَنْفَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بِمَا سُرِقَ مِنْهُ فَهُوَ لَا شُبْهَةَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي تَرِكَتِهِ بِمَا يُدْفَعُ لِلْمَأْمُورِ الثَّانِي، فَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ أَيْ مَالِ الْآمِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا صُنْعِهِ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ يَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَكُونُ الْقَضَاءُ عَنْ الْآمِرِ وَتَلْزَمُ الْمَأْمُورَ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ تَرْجِعُ وَرَثَةُ الْآمِرِ عَلَى تَرِكَتِهِ بِنَفَقَةِ الَّذِي يَأْمُرُونَهُ بِالْحَجِّ عَنْ مُوَرِّثِهِمْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَرَّرَهُ الْفُقَهَاءُ هُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ، حَيْثُ جَعَلُوا الْإِحْجَاجَ ثَانِيًا بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِالْبَاقِي مَعَ الْمَأْمُورِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ، فَيُنَافِي مَا تَقَدَّمَ بَحْثًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالسِّرَاجِ وَالنَّهْرِ، فَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ مَا أَبْعَدَ مَرْمَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْهُ ثَانِيًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) يَعْنِي قَوْلَهُمَا فِي الْمَحَلِّ، أَمَّا فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الِاسْتِحْسَانَ.

وَفِي الْفَتْحِ: قَوْلُ الْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ: أَيْ فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا أَوْجَهُ وَقَوْلُهُمَا هُنَا أَوْجَهُ، وَقَدَّمْنَا مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ أَيْضًا عَنْ الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ ح (قَوْلُهُ لَا لِلتَّقْيِيدِ) لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّنِينَ، فَفِي أَيِّ سَنَةٍ حَصَلَ فِيهَا وَقَعَ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى إيقَاعُهُ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ النَّفَقَةِ أَوْ تَعَطُّلِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَنْزِلِ الْآمِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ أَحَجَّ رَجُلًا فَحَجَّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ لِأَنَّ الْفَرْضَ صَارَ مُؤَدًّى وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَا أَخَذَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْآمِرِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا مُعَيَّنًا كَانَ الْقَدْرُ أَوْ لَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْآتِي سَوَاءٌ كَانَ الْفَضْلُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا كَيَسِيرٍ مِنْ الزَّادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>