للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَرَامٌ (وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) أَمَّا بِمَاءٍ وَاحِدٍ فَمَنْدُوبٌ أَوْ مَسْنُونٌ.

وَمِنْ مَنْهِيَّاتِهِ: التَّوَضُّؤُ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ وَفِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةً، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي إنَاءٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِذَلِكَ، وَإِلْقَاءُ النُّخَامَةِ، وَالِامْتِخَاطُ فِي الْمَاءِ.

ــ

[رد المحتار]

قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْإِسْرَافُ: التَّبْذِيرُ أَوْ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرَ طَاعَةٍ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، نَعَمْ إذَا اعْتَقَدَ سُنِّيَّتَهُ يَكُونُ قَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ لِاعْتِقَادِهِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ قُرْبَةً، فَلِذَا حَمَلَ عُلَمَاؤُنَا النَّهْيَ عَلَى ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَائِزٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْجَائِزَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَتَوَافَقُ عِبَارَاتُهُمْ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمَذْهَبُ فَلَا يُعَارِضُ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَصَحَّحُوهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوقَفُ وَيُسَاقُ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ وَلَمْ يَقْصِدْ إبَاحَتَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ حِلْيَةٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَيْسَ بِجَارٍ كَاَلَّذِي فِي صِهْرِيجٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ نَحْوِ إبْرِيقٍ، أَمَّا الْجَارِي كَمَاءِ مَدَارِسِ دِمَشْقَ وَجَوَامِعِهَا فَهُوَ مِنْ الْمُبَاحِ كَمَاءِ النَّهْرِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ مَنْهِيَّاتِهِ) يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اصْطِلَاحًا حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ آنِفًا، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: التَّوَضُّؤُ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إذَا اخْتَلَتْ امْرَأَةٌ مُكَلَّفَةٌ بِمَاءٍ قَلِيلٍ كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ وَتَطَهَّرَتْ بِهِ فِي خَلْوَتِهَا طَهَارَةً كَامِلَةً عَنْ حَدَثٍ لَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَنْ يَرْفَعَ بِهِ حَدَثَهُ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي مُتُونِ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِمَا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طُهُورِ الْمَرْأَةِ» قَالَ فِي [غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ] فِي فَصْلِ الْمِيَاهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ: وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: اغْتَسَلْت مِنْ جَفْنَةٍ فَفَضَلَتْ فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ، فَقُلْت: إنِّي قَدْ اغْتَسَلْت مِنْهُ، فَقَالَ: الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ» وَمَا رَوَى أَحْمَدُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا. اهـ.

أَقُولُ: مُقْتَضَى النَّسْخِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَنَا بَلْ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ، وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مَيْمُونَةَ إنِّي قَدْ اغْتَسَلْت، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِعِلْمِهَا بِالنَّهْيِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ النَّاسِخُ مُتَأَخِّرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِالْكَرَاهَةِ فَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالنَّسْخِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُطْلَبُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ. [تَنْبِيهٌ]

يَنْبَغِي كَرَاهَةُ التَّطْهِيرِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ غُضِبَ عَلَيْهَا إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ بِأَرْضِ ثَمُودَ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِكَرَاهَتِهِ وَلَا يُبَاحُ عِنْدَ أَحْمَدَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى الْحَنْبَلِيِّ: لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ وَبِئْرُ النَّاقَةِ هِيَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالِامْتِخَاطُ) مَعْطُوفٌ عَلَى إلْقَاءٍ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّنَازُعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>