للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَنْقُضُهُ) خُرُوجُ مِنْهُ كُلِّ خَارِجٍ (نَجَسٍ) بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ مُعْتَادًا أَوْ لَا، مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَا (إلَى مَا يُطَهَّرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ.

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ

(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ إلَخْ) النَّقْضُ فِي الْجِسْمِ: فَكُّ تَأْلِيفِهِ، وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْ إفَادَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوءِ بَحْرٌ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ خُرُوجُ نَجَسٍ أَنَّ النَّاقِضَ خُرُوجُهُ لَا عَيْنُهُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ الثَّانِيَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَرْتَفِعُ بِضِدِّهَا وَهِيَ النَّجَاسَةُ الْقَائِمَةُ بِالْخَارِجِ لِأَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ، وَبَحَثَ فِيهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: كُلُّ خَارِجٍ) لَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّعْمِيمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ النَّجَسِ بِالْمُعْتَادِ أَوْ الْكَثِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْفَتْحَ أَوْلَى، لِقَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَالرِّوَايَةُ النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَمَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا، هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُقَالُ: نَجَسَ الشَّيْءُ يَنْجُسُ فَهُوَ نَجَسٌ وَنَجِسٌ. اهـ. فَهُمَا لُغَةً مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ نَجَسَ الْعَيْنِ أَوْ عَارِضَ النَّجَاسَةِ كَالْحَصَاةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ، وَالنَّاقِضُ فِي الْحَقِيقَةِ النَّجَاسَةُ الْعَارِضَةُ لَهَا، فَكَانَ الْفَتْحُ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا.

وَإِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ، تَأَمَّلْ؛ ثُمَّ عَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ خَارِجٍ لَا صِفَةً لِأَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ، بِخِلَافِ الْمَكْسُورِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى مُتَنَجِّسٍ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَضِّئِ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ أُخِذَ مِنْ الْمَقَامِ، وَالْمُتَوَضِّئُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْوُضُوءِ، وَاحْتَرَزَ بِالْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعِدْ وُضُوءَهُ بَلْ يَغْسِلْ مَوْضِعَهَا فَقَطْ إذْ لَوْ كَانَ الْخُرُوجُ حَدَثًا لَكَانَ الْمَوْتُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ فَرَقَّهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مُعْتَادًا) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، أَوْ لَا كَالدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ: نَجَسٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُعْتَادِ كَمَا نَبَّهَ بِمَا بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) فَائِدَةُ ذِكْرِ الْحُكْمِ دَفْعُ وُرُودِ دَاخِلِ الْعَيْنِ وَبَاطِنِ الْجَرْحِ، إذْ حَقِيقَةُ التَّطْهِيرِ فِيهِمَا مُمْكِنَةٌ، وَإِنَّمَا السَّاقِطُ حُكْمُهُ نَهْرٌ وَسِرَاجٌ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي جَرْحٍ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَضُرَّ نَقَضَ مَا سَالَ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِهِ غَيْرُ سَاقِطٍ؛ وَالْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ مَا يَعُمُّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ فِي الْغُسْلِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ؛ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ سَالَ إلَى مَحَلٍّ يُمْكِنُ مَسْحُهُ دُونَ غَسْلِهِ لِلْعُذْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا، وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ قَوْلَهُ: أَوْ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِئَلَّا يَرِدَ مَا لَوْ افْتَصَدَ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ، فَإِنَّهُ نَاقِضٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسِلْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ سَالَ إلَى الْمَكَانِ دُونَ الْبَدَنِ، وَبِزِيَادَةِ ذَلِكَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْمَكَانَ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا عَمَّمَ فِي الْبَحْرِ مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بِقَوْلِهِ مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ.

أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ سَالَ إلَى نَهْرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَمَا لَوْ مَصَّ الْعَلَقُ أَوْ الْقُرَادُ الْكَبِيرُ وَامْتَلَأَ دَمًا فَإِنَّهُ نَاقِضٌ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فَالْأَحْسَنُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ السَّيَلَانُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ: أَيْ فَإِنَّ دَمَ الْفَصْدِ وَنَحْوَهُ سَائِلٌ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ حُكْمًا، تَأَمَّلْ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْوُجُوبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. زَادَ فِي الْفَتْحِ أَوْ النَّدْبُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِمْ: إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ نَقَضَ، وَلَيْسَ ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ مَسْنُونَةً؛ وَحَدُّهَا أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصَبَةِ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَالْهِدَايَةِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا لَانَ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ لَا يُنْدَبُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ النَّدْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>