للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَصَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ وَقَرْضٍ وَسَلَمٍ وَاسْتِئْجَارٍ)

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: لَكِنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ لَا يَشْمَلُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ كَانَتْ مَجَازًا فَلَمْ يَصِحَّ بِهَا النِّكَاحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ وُضِعَ بِمَعْنَى اُسْتُعْمِلَ فَيَشْمَلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَهِبَةٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إمَّا أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ، فَإِذَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْأَمَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت أَمَتِي هَذِهِ مِنْك، فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُعَجَّلًا، وَمُؤَجَّلًا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ دَلِيلًا عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ نَوَى النِّكَاحَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحُرَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ فَهُوَ الْقَرِينَةُ، فَإِنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِهِ لَا يَنْعَقِدُ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ الزِّنَى فَقَالَتْ وَهَبْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحُهُ كَقَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ وَهَبْتهَا لَك لِتَخْدُمَك فَقَالَ قَبِلْت إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ كَذَا فِي الْبَحْرِ ط.

(قَوْلُهُ: وَقَرْضٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالصُّلْحِ وَالرَّهْنِ قَوْلَانِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ انْعِقَادِهِ بِالصَّرْفِ عَمَلًا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ انْعِقَادِهِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَدَمَهُ وَجَزَمَ السَّرَخْسِيُّ بِانْعِقَادِهِ بِالصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ وَلَمْ يَحْكِ الأتقاني غَيْرَهُ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الرَّهْنِ لَكِنْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْكِ الأتقاني غَيْرَهُ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الأتقاني فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالصُّلْحِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْأَجْنَاسِ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ السَّرَخْسِيِّ.

قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ وَالتَّوْفِيقُ بِأَنْ يُقَالَ إنْ جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بَدَلَ الصُّلْحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبُو الْبِنْتِ لِدَائِنِهِ مَثَلًا صَالَحْتُك عَنْ أَلْفِك الَّتِي لَك عَلَيَّ بِبِنْتِي هَذِهِ، وَإِنْ جَعَلَتْ مُصَالِحًا عَنْهَا بِأَنْ قَالَ " صَالَحْتُك " عَنْ بِنْتِي بِأَلْفٍ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ غَايَةِ الْبَيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ حَطِيطَةٌ، وَإِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا إسْقَاطُهُ فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ أَمَّا بَدَلُ الصُّلْحِ فَالْمَقْصُودُ مِلْكُهُ أَيْضًا فَيَصِحُّ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ. هَذَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَطِيَّةِ مِثْلُ قَوْلِهِ هِيَ لَك عَطِيَّةٌ بِكَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ أَعْطَيْتُك بِنْتِي بِكَذَا كَمَا هُوَ الشَّائِعُ عِنْدَ الْأَعْرَابِ وَالْفَلَّاحِينَ فَيَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّهُ يَقُولُ جِئْتُك خَاطِبًا بِنْتَك لِنَفْسِي فَيَقُولُ أَبُوهَا هِيَ جَارِيَةٌ فِي مَطْبَخِك فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا قَصَدَ الْعَقْدَ دُونَ الْوَعْدِ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ فِي وَهَبْتهَا لَك لِتَخْدُمَك وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ جَعَلْت ابْنَتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى النِّكَاحِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَسَلَمٍ وَاسْتِئْجَارٍ) هَذَا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعًا، أَمَّا إنْ جُعِلَتْ مُسْلَمًا فِيهَا فَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ مَجَازِيَّهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>