للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ بِهِ يُفْتَى.

(وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ تَزْوِيجٍ وَنِكَاحٍ) لِأَنَّهُمَا صَرِيحٌ (وَمَا) عَدَاهُمَا كِنَايَةٌ هُوَ كُلُّ لَفْظٍ (وُضِعَ لِتَمْلِيكِ عَيْنٍ) كَامِلَةٍ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّرِكَةِ (وَفِي الْحَالِ) خَرَجَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِالْحَالِ

ــ

[رد المحتار]

اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ إذْ لُقِّنَتْ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِمَهْرِي وَنَفَقَةِ عِدَّتِي فَقَالَتْهُ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَلَا أَنَّهُ لَفْظُ خُلْعٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ أَنْ تُبْرِئَهُ وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا لَقَّنَ رَبَّ الدِّينِ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْرَأُ. اهـ.

قُلْت: وَفِي فَهْمِ الشُّهُودِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ) بِسُكُونِ ذَالِ إذْ فَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا وَضَمِيرُ يَحْتَجْ لِمَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ التَّجْنِيسِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ.

قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ وَبِهِ جَزَمَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهِ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيحَ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ عِنْدَنَا بَلْ الْخِلَافُ فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ، فَالْأَوَّلُ مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجُ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَالْجَعْلُ نَحْوُ جَعَلْت بِنْتِي لَك بِأَلْفٍ وَالثَّانِي نَحْوُ بِعْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ ابْنَتِي أَوْ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ نَعَمْ وَنَحْوُ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالصُّلْحِ وَالثَّالِثُ كَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّابِعُ كَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَمَا عَدَاهُمَا كِنَايَةٌ إلَخْ) فِي هَذَا التَّرْكِيبِ إخْرَاجُ الْمَتْنِ عَنْ مَدْلُولِهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِجَوَازِهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ كَيْفَ صَحَّ بِالْكِنَايَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَالْكِنَايَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قُلْنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحْنَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ. اهـ.

وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ يَأْتِي بَعْضُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: هُوَ كُلُّ لَفْظٍ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِثْلِ كُونِي امْرَأَتِي، وَقَوْلِهَا عَرَّسْتُك نَفْسِي. وَقَوْلُهُ: لِمُبَانَتِهِ: رَاجَعْتُك بِكَذَا وَقَوْلِهَا لَهُ رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك، وَقَوْلِهِ صِرْت لِي أَوْ صِرْت لَك وَقَوْلِهِ: ثَبَتَ حَقِّي فِي مَنَافِعِ بُضْعِك وَذَكَرَ أَلْفَاظَ أُخَرَ وَأَنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي الْكُلِّ مَعَ الْقَبُولِ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُؤَدِّي مَعْنَى النِّكَاحِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَاخِلَةٌ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وُضِعَ لِتَمْلِيكِ عَيْنٍ) خَرَجَ مَا لَا يُفِيدُ التَّمْلِيكَ أَصْلًا كَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، وَمَا يُفِيدُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَامِلَةٍ) صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّرِكَةِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ وَهَذَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا قَالَ زَوَّجْتُك نِصْفَ جَارِيَتِي (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِالْحَالِ) بِأَنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِالْحَالِ نَحْوُ أَوْصَيْت لَك بِبُضْعِ ابْنَتِي لِلْحَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَائِزٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ قَائِلًا وَارْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَطْلَقَهُ الشَّارِحُونَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا عَنْ النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ كَمَا فِي بُيُوعِ الْعِنَايَةِ. اهـ.

وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْمَجَازَ لَا مَجَازَ لَهُ مَرْدُودٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ طَالَعَ أَسَاسَ الْبَلَاغَةِ. اهـ.

أَيْ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي رَأَيْت مِشْفَرَ زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ، وَكَذَا فِي {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: ١١٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>