لِصُدُورِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَلَمْ تَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ بَلْ غَلَطًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ أَصْلًا تَلْوِيحٌ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ وَصَدَرَتْ عَنْ قَصْدٍ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ وَسَطَهُ، وَمِنْهُ جَازَ الْبَيْعَ أَوْ النِّكَاحَ إذَا نَفَّذَهُ وَأَجَازَهُ الْقَاضِي إذَا نَفَّذَهُ وَحَكَمَ بِهِ، وَمِنْهُ الْمُجِيزُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ لِتَنْفِيذِهِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَجَوَّزَ الْحُكْمَ رَآهُ جَائِزًا وَتَجْوِيزُ الضِّرَابِ الدَّرَاهِمَ أَنْ جَعَلَهَا رَائِجَةً جَائِرَةً وَأَجَازَهُ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ إذَا أَعْطَاهُ عَطِيَّةً، وَمِنْهَا جَوَائِزُ الْوُفُودُ لِلتُّحَفِ وَاللُّطْفِ، وَتَجَاوَزَ عَنْ الْمُسِيءِ وَتَجَوَّزَ عَنْهُ أَغْضَى عَنْهُ وَعَفَا وَتَجَوَّزَ فِي الصَّلَاةِ تَرَخَّصَ فِيهَا وَتَسَاهَلَ، وَمِنْهُ تَجَوَّزَ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ. اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: لِصُدُورِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْعِقَادِهِ بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ بِأَنَّ اللُّغَةَ الْأَعْجَمِيَّةَ تَصْدُرُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ لَفْظِ التَّجْوِيزِ فَإِنَّهُ يَصْدُرُ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ، بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مِنَحٌ مُلَخَّصًا. وَالتَّحْرِيفُ التَّغْيِيرُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصْحِيفِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: تَلْوِيحٌ) لَيْسَ مُرَادُهُ عَزْوَ الْمَسْأَلَةِ إلَى التَّلْوِيحِ بَلْ عَزْوَ مَضْمُونِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمِنَحِ أَنَّهُ كَثُرَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْهَا فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ وَأَنَّهُ كَتَبَ فِيهَا رِسَالَةً حَاصِلُهَا اعْتِمَادُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لِلْحَالِ وَلَيْسَ لَفْظَ نِكَاحٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِلْمَجَازِيَّةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُعِيرَ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِنِكَاحٍ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى اللُّغَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ التَّلْوِيحِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا جَارِيًا عَلَى الْقَانُونِ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَمُرْتَجَلٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِسْمِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الصَّحِيحَ فِي الْغَيْرِ بِلَا عَلَاقَةٍ وَضْعٌ جَدِيدٌ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَقَيَّدْنَا الِاسْتِعْمَالَ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَلَطِ مِثْلُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ عَقِبَ عِبَارَةِ التَّلْوِيحِ الْمَذْكُورَةِ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى حِلِّ الِاسْتِمَاعِ، وَتَصْدُرُ عَلَى قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ، فَلِلْقَوْلِ بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا مِنْهُمْ، وَبِانْعِقَادِهِ بَيْنَ قَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَلْطَةِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ، وَأَمَّا صُدُورُهَا لَا عَنْ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ كَمَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ الْأَغْمَارِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبُ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِرَادَتُهُ مِنْهُ فَمُجَرَّدُ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا فَلَا يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا. اهـ. .
وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ التَّجْوِيزِ فِي النِّكَاحِ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ قَصْدًا يَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مِثْلَ الْحَقَائِقِ الْمُرْتَجَلَةِ.، وَمِثْلُ الْأَلْفَاظِ الْأَعْجَمِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلنِّكَاحِ، فَيَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِوُجُودِ طَلَبِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَإِرَادَتِهِ مِنْ اللَّفْظِ قَصْدًا، وَإِلَّا فَذِكْرُ هَذَا اللَّفْظِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً؛ لِعَدَمِ الْوَضْعِ وَلَا مَجَازًا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ، فَلَا يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِكَوْنِهِ غَلَطًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ، وَمُعَاصِرِيهِ لَكِنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ الْعَلَّامَةُ الْحَبْرُ الرَّمْلِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، وَنَازَعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، وَكَذَا نَازَعَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ الْمِنَحِ، بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِبَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمُرَتَّبِ عَلَى عَدَمِ الْعَلَاقَةِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، فَكَيْفَ اُتُّجِهَ ذِكْرُ نَفْيِ الْعَلَاقَةِ، بَلْ نُسَلِّمُ كَوْنَهُ تَصْحِيفًا بِإِبْدَالِ حَرْفٍ، فَلَوْ صَدَرَ مِنْ عَارِفٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ فَتْوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute