كَانَ ذَلِكَ وَضْعًا جَدِيدًا فَيَصِحُّ، بِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقَعُ بِهَا قَضَاءً كَمَا فِي أَوَائِلِ الْأَشْبَاهِ (وَلَا بِتَعَاطٍ)
ــ
[رد المحتار]
الشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ، وَمُعَاصِرِيهِ فَيَقَعُ الدَّلِيلُ فِي مَحَلِّهِ ح وَالْمَسْأَلَةُ لَمْ تُوجَدْ فِيهَا نَقْلٌ بِخُصُوصِهَا عَنْ الْمَشَايِخِ، فَصَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مِنْ عَامِّيٍّ إبْدَالُ الزَّايِ جِيمًا وَعَكْسُهُ مَعَ تَشْدِيدِهِمْ فِي النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَمْ يُجَوِّزُوهُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِفْتَاءُ بِحَسَبِ الْإِنْهَاءِ. فَإِذَا سُئِلَ الْمُفْتِي هَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّجْوِيزِ يُجِيبُ بِلَا لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِذِكْرِ التَّصْحِيفِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِذَا سُئِلَ فِي عَامِّيٍّ قَدَّمَ الْجِيمَ عَلَى الزَّايِ بِلَا قَصْدِ اسْتِعَارَةٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا بَلْ قَصَدَ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ شَرْعًا فَوَقَعَ لَهُ ذِكْرٌ يَنْبَغِي فِيهِ مُوَافَقَةُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالْأَوْلَى فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَلْطَةِ كَمَا قَطَعَ بِهِ أَبُو السُّعُودِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْغِلَظِ وَالتَّصْحِيفِ فِي مَوَاضِعَ فَأَوْقَعُوا الطَّلَاقَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ مَعَ اشْتِرَاكِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ جِدَّهُمَا جِدٌّ وَهَزْلَهُمَا جِدٌّ، وَخَطَرُ الْفُرُوجِ، وَأَفْتَوْا بِالْوُقُوعِ فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَأَنَّهُ تَعْلِيقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ كَذَا، وَمِثْلُهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا مَعَ كَوْنِهِ غَلَطًا ظَاهِرًا لُغَةً وَشَرْعًا لِعَدَمِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الرَّجُلِ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُ أَبِي السُّعُودِ إنَّهُ أَيْ هَذَا الطَّلَاقُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ نَظَرًا لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ لَا إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْفَاشِي لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي بِلَادِهِ، فَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ هَذَا الْغَلَطَ الْفَاحِشَ لَزَمَنَا أَنْ لَا نَعْتَبِرَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ فُشُوِّ اسْتِعْمَالِهِ وَكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ بِحَيْثُ لَوْ لُقِّنَ أَحَدُهُمْ التَّزْوِيجَ لَعَسِرَ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يَلْمَحُونَ اسْتِعَارَةً لِنَرُدَّ مَلْمَحَهُمْ بِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ، بَلْ هُوَ تَصْحِيفٌ عَلَيْهِمْ فَشَا فِي لِسَانِهِمْ.
وَقَدْ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَدَمَ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِإِبْدَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَارَبْ الْمَخْرَجُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى الْعَامَّةِ فَكَيْفَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقَعُ بِهَا إلَخْ) أَيْ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ كَتَلَاقٍ وَتَلَاك وَطَلَاك وَطَلَاغٍ وَتَلَاغٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَقَعُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ هَذَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ قَاضِي خَانْ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ. اهـ. قَالَ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ مَعَ التَّصْحِيفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ نَافِذًا مَعَهُ أَيْضًا. اهـ.
قُلْت: وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقٍ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، عَلَى أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي التَّفْرِيقِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوْجِيَّةِ بِمُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِلَفْظٍ مُصَحَّفٍ أَوْ مُهْمَلٍ لَا مَعْنَى لَهُ، بَلْ الِاحْتِيَاطُ فِي بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُزِيلُ، فَلَوْلَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْقَصْدَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُصَحَّفِ بِدُونِ وَضْعٍ جَدِيدٍ وَلَا عَلَاقَةٍ لَمْ يُوقِعُوا بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ الْخَارِجَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا مَعْنَى لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ الْمُرَادَ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا تَحْرِيفَ اللَّفْظِ بَلْ قَوْلُهُمْ يَقَعُ بِهَا قَضَاءً يُفِيدُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ وَلِذَا قَيَّدَ تَصْدِيقَهُ بِالْإِشْهَادِ فَبِالْأَوْلَى إذَا قَالَ الْعَامِّيُّ جَوَّزْت بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ أَوْ زَوَّزْتُ بِالزَّايِ بَدَلَ الْجِيمِ قَاصِدًا بِهِ مَعْنَى النِّكَاحِ يَصِحُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ جَعَلْت بِنْتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى النِّكَاحِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ، فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَفَادَ مَعْنَى النِّكَاحِ يُعْطَى حُكْمَهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ بِلَفْظِ نِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ جَوَّزْت أَوْ زَوَّزْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute