أَيْ تَقْوَى فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ أَوْ فَاسِقَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ مُعْلَنًا كَانَ أَوْ لَا
ــ
[رد المحتار]
الْهِدَايَةِ مُعَارِضٌ لَهُ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْمُتُونِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فَاسِقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً دُونَ أَبِيهَا أَوْ كَانَ أَبُوهَا صَالِحًا دُونَهَا هَلْ يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لَهَا أَوْ لَا: فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الصَّالِحِينَ، وَاعْتُبِرَ فِي الْمَجْمَعِ صَلَاحُهَا فَقَالَ: فَلَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ فَاعْتُبِرَ صَلَاحُ الْكُلِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاحَ مِنْهَا أَوْ مِنْ آبَائِهَا كَافٍ لِعَدَمِ كَوْنِ الْفَاسِقِ كُفُؤًا لَهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْفَاسِقُ مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ يَكُونُ كُفُؤًا لِبَنَاتِ الصَّالِحِينَ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لَا يَكُونُ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْفَضْلِ اهـ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ الْآبَاءُ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِفِسْقِهَا اهـ أَيْ إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً بِنْتَ صَالِحٍ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لَهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ الْأَبِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِسْقُهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إذَا أَسْقَطَتْهَا هِيَ لِأَنَّ الصَّالِحَ يُعَيَّرُ بِمُصَاهَرَةِ الْفَاسِقِ، لَكِنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ صَلَاحِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ الثَّانِي عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ صَالِحَةٌ غَالِبًا قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ قَوْلُهُ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ بِنْتِ صَالِحٍ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فَاسِقَةً فَيَكُونُ كُفُؤًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَالِبُ أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ صَالِحَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْ وَهِيَ صَالِحَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ تَكُونَ الْبِنْتُ صَالِحَةً بِصَلَاحِهِ اهـ وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ.
قُلْت: اقْتِصَارُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاحَهَا يُعْرَفُ بِصَلَاحِهِمْ، لِخَفَاءِ حَالِ الْمَرْأَةِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا الْأَبْكَارُ وَالصَّغَائِرُ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَدْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الَّذِي يُسْكِرُ إنْ كَانَ يُسِرُّ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ سَكْرَانَ كَانَ كُفُؤًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَإِنْ كَانَ يُعْلِنُ ذَلِكَ فَلَا، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
قُلْت: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ صَلَاحِ الْكُلِّ، وَإِنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاحِهَا أَوْ صَلَاحِ آبَائِهَا نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ صَلَاحَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ مُتَلَازِمَانِ، فَعَلَى هَذَا فَالْفَاسِقُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ بَلْ يَكُونُ كُفُؤًا لِفَاسِقَةٍ بِنْتِ فَاسِقٍ، وَكَذَا لِفَاسِقَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ، فَلَيْسَ لِأَبِيهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ بِبِنْتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَارِ بِصِهْرِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً بِنْتَ فَاسِقٍ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاسِقٍ فَلَيْسَ لِأَبِيهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَهِيَ قَدْ رَضِيَتْ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ فَاسِقٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِفِسْقِهِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا كَبِرَتْ لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ مَاجِنًا كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ صَالِحًا وَظَنَّ الزَّوْجَ صَالِحًا فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ مُصْلِحًا لَا يَشْرَبُ مُسْكِرًا فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ فَقَالَتْ بَعْدَ الْكِبَرِ: لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهَا يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، وَلَا عُرِفَ بِهِ وَغَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهَا مُصْلِحُونَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ.
(قَوْلُهُ بِنْتِ صَالِحٍ) نَعْتٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ صَالِحَةٍ وَفَاسِقَةٍ وَأَفْرَدَهُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ فَرَجَعَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَلَاحُ الْآبَاءِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِفِسْقِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فَافْهَمْ نَعَمْ هُوَ خِلَافُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ (قَوْلُهُ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا) أَمَّا إذَا كَانَ مُعْلِنًا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْلِنِ فَهُوَ بِأَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا مِنْ الْمُفَسِّقَاتِ وَهُوَ لَا يَجْهَرُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute