للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعَدَمِ شُهُودٍ (يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ إذَا اعْتَقَدُوهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَيُقَرُّونَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.)

(وَ) الثَّالِثُ (أَنَّ) (كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ) كَمَحَارِمَ (يَقَعُ جَائِزًا) . (وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: لَا) بَلْ فَاسِدًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ

ــ

[رد المحتار]

«أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّا دَعَاهُ إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ» لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَوْنُ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ غَيْرُ نَافِعٍ فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَذَاكَ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَجَاتِهِمَا بِأَنَّهُمَا مَاتَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى يَمُوتُ نَاجِيًا، أَمَّا الْمَاتُرِيدِيَّةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّأَمُّلُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ كُفْرًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْمُدَّةِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَيْئًا.

نَعَمْ الْبُخَارِيُّونَ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَافَقُوا الْأَشَاعِرَةَ، وَحَمَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ، لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ مَاتَ مُعْتَقِدًا لِلْكُفْرِ، فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ بَقِيَ عُمُرُهُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِمْ الْخِلَافُ، وَبِخِلَافِ مَنْ اهْتَدَى مِنْهُمْ بِعَقْلِهِ كَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّنُّ فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، بَلْ قِيلَ إنَّ آبَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ مُوَحِّدُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: ٢١٩] لَكِنْ رَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَتَرَدُّدُك فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُتَهَجِّدِينَ فَافْهَمْ.

وَبِالْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَعَ مَزِيدِ الْأَدَبِ. وَلَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَضُرُّ جَهْلُهَا أَوْ يُسْأَلُ عَنْهَا فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْمَوْقِفِ، فَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنْ التَّكَلُّمِ فِيهَا إلَّا بِخَيْرٍ أَوْلَى وَأَسْلَمُ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ

(قَوْلُهُ كَعَدَمِ شُهُودٍ) وَعِدَّةٌ مِنْ كَافِرٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَمَعَ زُفَرَ فِي النِّكَاحِ فِي عِدَّةِ الْكَافِرِ ح. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَقِيلَ تَجِبُ، لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ وَالنَّسَبُ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ مَنَعَ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ بَلْ فَرَّعُوهُ عَلَى قَوْلِهِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَبِثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ، وَمَجِيئُهَا بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الطَّلَاقِ مِمَّا يُفِيدُ ذَلِكَ. اهـ.

وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرُوهُ بَلْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَازَعَهُمْ فِي التَّخْرِيجِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْعِدَّةِ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ الْعَقْدِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مُنَافِيَةٌ لَهُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، بِخِلَافِ عَدَمِ الشُّهُودِ وَالْعِدَّةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَحَارِمَ) وَكَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثٍ وَمُعْتَدَّةِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ بَلْ فَاسِدًا) أَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>