وَلَوْ حُكْمًا، بِأَنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِنَا وَالْأَبُ ثَمَّةَ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَالْمَجُوسِيُّ، وَمِثْلُهُ) كَوَثَنِيٍّ
ــ
[رد المحتار]
أَنَّ السُّبْكِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَا وَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا تَحِلُّ لَهُ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا. وَأَفْتَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا، وَتَوَقَّفْت عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى لَا يَرِثَهُ فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَه مِنْ الزِّنَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ مِنْ الزِّنَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا. اهـ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًّا وَالْآخَرُ كِتَابِيًّا فَهُوَ كِتَابِيٌّ كَمَا يَأْتِي وَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ إلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ، وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ احْتِيَاطًا فَلْيُنْظَرْ إلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا إنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ النِّسْبَةَ إلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فَلَمْ يُثْبِتْ النَّفَقَةَ وَالْإِرْثَ لِذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. [تَتِمَّةٌ]
ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي سَيْرِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَلَوْ أَبُوهُ مَيِّتًا، وَأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْجَدُّ كَالْأَبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَابِعًا لَهُ لَكَانَ تَابِعًا لِجَدِّ الْجَدِّ وَهَكَذَا، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِيهِ أَيْضًا الصَّغِيرُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الدِّينِ فَإِنْ انْعَدَمَا فَلِذِي الْيَدِ فَإِنْ عُدِمَتْ فَلِلدَّارِ وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِالْبُلُوغِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ. وَذَكَرَ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّغِيرِ بَيْنَ أَنْ يَعْقِلَ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ
قُلْت: وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، فَقَدْ نَصَّ هَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَيْضًا أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا. اهـ. أَيْ فَلَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا تَبْقَى التَّبَعِيَّةُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الطِّفْلُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ خَطَأٌ كَمَا سَمِعْته مِنْ عِبَارَةِ السَّرَخْسِيِّ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، وَلِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ أَيْضًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاتِّحَادُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَأَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ حُكْمًا فَقَطْ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الشَّارِحُ. وَاحْتَرَزَ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِأَنْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِنَا وَالصَّغِيرَةُ ثَمَّةَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. اهـ. ح. قُلْت وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ جَعْلِهِ حُكْمَ الْعَكْسِ كَمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ سَهْوٌ (قَوْلُهُ وَالْمَجُوسِيُّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَرْدَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لِبَيَانِ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا كَانَ الْوَلَدُ كِتَابِيًّا نَظَرًا لَهُ فِي الدُّنْيَا لِاقْتِرَابِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ نُقْصَانِ الْعِقَابِ كَذَا فِي الْفَتْحِ؛ يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute