للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ (شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) وَالنَّصْرَانِيُّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ بَلْ يُخْنَقُ كَمَجُوسِيٍّ وَفِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَذَابًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ كَفَرَ لِإِثْبَاتِهِ الْخَيْرَ لِمَا قَبُحَ بِالْقَطْعِيِّ.

لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْمَجُوسَ أَسْعَدُ حَالَةً مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لِإِثْبَاتِ الْمَجُوسِ

ــ

[رد المحتار]

وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي حَيِّزِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى تَحَامِيًا عَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ إطْلَاقِ الْخَيْرِ عَلَى الْكِتَابِيِّ، بَلْ الشَّرُّ ثَابِتٌ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ. اهـ.، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا الْمُرَادُ بِهِ دِينُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهَا مُجَرَّدَ بَيَانِ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ إذْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي بَحْثِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بَيَانُ لَازِمِهِ الْمَقْصُودِ هُنَا وَهُوَ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ لِأَخَفِّهِمَا شَرًّا فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يُرَادَ بِالدِّينِ الْأَعَمُّ تَحَامِيًا عَنْ إطْلَاقِ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَائِرُ أَهْلِ الشِّرْكِ) مِمَّنْ لَا دِينَ لَهُ سَمَاوِيًّا (قَوْلُهُ وَالنَّصْرَانِيُّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ) وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَبَّازِيَّةِ. وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَكْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ كَوْنُ الْوَلَدِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيٍّ أَوْ عَكْسَهُ تَبَعًا لِلْيَهُودِيِّ لَا النَّصْرَانِيِّ اهـ أَيْ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ نَهْرٌ.

قُلْت: بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ فَائِدَتَهُ خِفَّةُ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي الدُّنْيَا، لِمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الْمَجُوسِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَطْبُخُ الْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّصْرَانِيُّ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ يَخْنُقُ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْيَهُودِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ. اهـ.، فَعُلِمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَيْضًا. اهـ. كَلَامُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ) أَيْ لَا يَذْبَحُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَلْ يَخْنُقُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ لِمُنَافَاتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَلَوْ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ خ (قَوْلُهُ أَشَدُّ عَذَابًا) لِأَنَّ نِزَاعَ النَّصَارَى فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَنِزَاعَ الْيَهُودِ فِي النُّبُوَّاتِ وقَوْله تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠] كَلَامُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَلِيلَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وقَوْله تَعَالَى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً} [المائدة: ٨٢] الْآيَةَ لَا يُرَدُّ لِأَنَّ الْبَحْثَ فِي قُوَّةِ الْكُفْرِ وَشِدَّتِهِ لَا فِي قُوَّةِ الْعَدَاوَةِ وَضَعْفِهَا. اهـ. بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ يَكْفُرُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَقَعَتْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا خَيْرِيَّةَ لِإِحْدَى الْمِلَّتَيْنِ أَيْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ عَلَى الْأُخْرَى فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجُوسِيِّ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اهـ.

قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عِلَّةَ الْإِكْفَارِ هِيَ إثْبَاتُ الْخَيْرِ لِمَا قَبُحَ قَطْعًا لَا لِعَدَمِ خَيْرِيَّةِ إحْدَى الْمِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ هَذِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِكْفَارُ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ مِثْلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ شَرًّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ لَفْظَ خَيْرٍ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا كَمَا يُقَالُ فِي الْمِثْلِ: الرَّمَدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَى، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ

وَلَكِنْ قَتْلُ الْحُرِّ خَيْرٌ مِنْ الْأَسْرِ

ثُمَّ رَأَيْت فِي آخِرِ الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَقُولُونَ هَذَا أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا وَلَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْته، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ حِينَئِذٍ، فَالْقَوْلُ بِالْإِكْفَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ ثُبُوتِ الْخَيْرِيَّةِ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَوْ أُرِيدَ أَصْلُ الْفِعْلِ كَمَا فِي - أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ - وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَخْ، وَوَجْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>