للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَبْلُغُ الْإِيلَاءَ إلَّا بِرِضَاهَا، وَيُؤْمَرُ الْمُتَعَبِّدُ بِصُحْبَتِهَا أَحْيَانًا، وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ لِحُرَّةٍ وَسَبْعٍ لِأَمَةٍ. وَلَوْ تَضَرَّرَتْ مِنْ كَثْرَةِ جِمَاعِهِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهَا، وَالرَّأْيُ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ لِلْقَاضِي بِمَا يَظُنُّ طَاقَتَهَا نَهْرٌ بَحْثًا

ــ

[رد المحتار]

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَيَسْقُطُ حَقُّهَا بِمَرَّةٍ فِي الْقَضَاءِ أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصِبْهَا مَرَّةً يُؤَجِّلُهُ الْقَاضِي سَنَةً ثُمَّ يَفْسَخُ الْعَقْدَ. أَمَّا لَوْ أَصَابَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ عِنِّينٍ وَقْتَ الْعَقْدِ، بَلْ يَأْمُرُهُ بِالزِّيَادَةِ أَحْيَانًا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ إلَّا لِعُذْرٍ وَمَرَضٍ أَوْ عُنَّةٍ عَارِضَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الظِّهَارِ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي إلْزَامَ الْمُظَاهِرِ بِالتَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ وَهَذَا رُبَّمَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْمَارَّ بِأَنَّهُ تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْلُغُ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ) تَقَدَّمَ عَنْ الْفَتْحِ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَبْلُغَ إلَخْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ، لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ لَهُ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَهَذَا بَحْثٌ مِنْهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ إيلَاءُ الْحُرَّةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا سَمِعَ فِي اللَّيْلِ امْرَأَةً تَقُولُ: فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ تُخْشَى عَوَاقِبُهُ لَزُحْزِحَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ فَسَأَلَ عَنْهَا فَإِذَا زَوْجُهَا فِي الْجِهَادِ، فَسَأَلَ بِنْتَه حَفْصَةَ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ: فَقَالَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَأَمَرَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ الْمُتَزَوِّجُ عَنْ أَهْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ زِيَادَةُ مُضَارَّةٍ بِهَا لَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِرَاقَ بِالْإِيلَاءِ فِيهَا.

(قَوْلُهُ وَيُؤْمَرُ الْمُتَعَبِّدُ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَتَشَاغَلَ عَنْهَا بِالْعِبَادَةِ أَوْ السَّرَارِيِّ اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ وَبَاقِيهَا لَهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الثَّلَاثِ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ حَرَائِرَ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي كُلِّ سَبْعٍ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ مِقْدَارٌ لِأَنَّ الْقَسْمَ مَعْنَى نِسْبِيٌّ وَإِيجَابُهُ طَلَبُ إيجَادِهِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُنْتَسِبِينَ فَلَا يُطْلَبُ قَبْلَ تَصَوُّرِهِ، بَلْ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَيَصْحَبَهَا أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ. اهـ.

وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَسَبْعٍ لِأَمَةٍ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ فَيَقْسِمُ لَهُنَّ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَلَهَا يَوْمٌ (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهَا، أَمَّا تَعْيِينُ الْمِقْدَارِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِأَئِمَّتِنَا، نَعَمْ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فَقِيلَ يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِأَرْبَعٍ فِي اللَّيْلِ وَأَرْبَعٍ فِي النَّهَارِ، وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ فِيهِمَا. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَشْرُ مَرَّاتٍ فِيهِمَا. وَفِي دَقَائِقِ ابْنِ فَرْحُونٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ مَرَّةً.

وَعِنْدِي أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي فَيَقْضِي بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا تُطِيقُهُ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ عَقِبَهُ: وَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهَا الْقَاضِي عَمَّا تُطِيقُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُمَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا وَهَذَا طِبْقُ الْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَنُوطًا بِظَنِّ الْقَاضِي فَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَبَعِيدٌ. هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ مَجْدٍ أَنَّ فِي تَأْسِيسِ النَّظَائِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِي حُكْمٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا يَرْجِعُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَقُولُ: لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ تَضَرَّرَتْ مِنْ عِظَمِ آلَتِهِ بِغِلَظٍ أَوْ طُولٍ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ. أَقُولُ: مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ مَجْدٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، نَعَمْ ذُكِرَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى فِي بَابِ الرَّجْعَةِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ دِيبَاجَةِ الْمُصَفَّى أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَالَ إلَى أَقْوَالِهِ ضَرُورَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>