للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُحَرَّمٌ

وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَاسْتَدَلُّوا لِقَوْلِ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] أَيْ مُدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُونَ غَيْرَ أَنَّ النَّقْصَ فِي الْأَوَّلِ قَامَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: لَا يَبْقَى الْوَلَدُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا، وَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ لِتَوْزِيعِهِمْ الْأَجَلَ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَلَمْ تَكُنْ دَلَالَتُهَا قَطْعِيَّةً، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُقَلِّدِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي رَسْمِ الْمُفْتَى، لَكِنْ فِي آخِرِ الْحَاوِي: فَإِنْ خَالَفَا قِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، ثُمَّ الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ.

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ أَيْ مُدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُونَ) تَقْدِيرًا لِمُضَافٍ لَيْسَ لِصِحَّةِ الْحَمْلِ، لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالزَّمَانِ عَنْ الْمَعْنَى صَحِيحٌ بِلَا تَقْدِيرٍ فَافْهَمْ، بَلْ لِبَيَانِ حَاصِلِ الْمَعْنَى. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَكَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِدَيْنَيْنِ عَلَى شَخْصَيْنِ، بِأَنْ قَالَ أَجَّلْت الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ وَالدَّيْنَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ سَنَةً يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ النَّقْصَ) أَيْ عَنْ الثَّلَاثِينَ فِي الْأَوَّلِ: يَعْنِي فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، أَيْ أَكْثَرِ مُدَّتِهِ قَامَ: أَيْ تَحَقَّقَ وَثَبَتَ (قَوْلُهُ لَا يَبْقَى الْوَلَدُ إلَخْ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ: الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ فَلْكَةَ مِغْزَلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ. وَسَنُخَرِّجُهُ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. وَفَلْكَةُ الْمِغْزَلِ كَتَمْرَةٍ مَعْرُوفَةٌ مِصْبَاحٌ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ بِدَوْرِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ، وَالْغَرَضُ تَقْلِيلُ الْمُدَّةِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا) لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إلَيْهَا فَتْحٌ، أَيْ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ الْمَسْمُوعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ وَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ) أَيْ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ بِمَعْنَى آخَرَ، فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ لِتَوْزِيعِهِمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ كَالصَّاحِبَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْأَجَلَ: أَيْ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عَلَى الْأَقَلِّ: أَيْ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْأَكْثَرُ: أَيْ أَكْثَرُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ سَنَتَانِ، فَالثَّلَاثُونَ بَيَانٌ لِمَجْمُوعِ الْمُدَّتَيْنِ لَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ) تُرَقُّ فِي الْجَوَابِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى دَلِيلِ الْإِمَامِ الْمَارِّ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ لَفْظِ ثَلَاثِينَ مُسْتَعْمَلًا فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ فِي مَدْلُولِ ثَلَاثِينَ وَفِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ لَا يَتَجَوَّزُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الْآخَرِ نَصَّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْلَامِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا. اهـ. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ مُبْتَدَآنِ وَثَلَاثُونَ خَبَرٌ عَنْ أَحَدِهِمَا أَيْ الثَّانِي وَحُذِفَ خَبَرُ الْآخَرِ فَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَالْآخَرُ فِي مَجَازِهِ فَلَا جَمْعَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ.

وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ أَطْلَقَ أَشْهُرٌ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ، فَالْمُنَاسِبُ الْجَوَابُ بِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ عَشَرَةَ إلَّا اثْنَيْنِ أُرِيدَ بِهِ ثَمَانِيَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ هَذَا خَاصٌّ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي) الْمُفِيدُ لِذَلِكَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَضْلِ رَسْمِ الْمُفْتَى مِنْ أَوَّلِ فَتَاوَاهُ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ لَا بِصَرِيحِ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ وُجُوبَ اتِّبَاعِهِ سَوَاءٌ وَافَقَهُ صَاحِبَاهُ أَوْ خَالَفَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ.

(قَوْلُهُ قِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتِي) أَيْ وَقِيلَ لَا يُخَيَّرُ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ. قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُفْتِي مُجْتَهِدًا، وَمُفَادُهُ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَيْ التَّخْيِيرَ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْيِيرَ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا هُوَ فِي النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْحَاوِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ قُوَّةَ الدَّلِيلِ لَا تَظْهَرُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ، وَتَمَامُ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ أُرْجُوزَتِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: ٢٣٣] الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>