للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ) (أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ (ثُمَّ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ: أَخْطَأْت وَتَزَوَّجَهَا) (جَازَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا) وَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا، قَالُوا: وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَزَّازِيَّةٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالثَّلَاثِ مِنْ رَجُلٍ

ــ

[رد المحتار]

بَيْنَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ وَالْإِصْرَارِ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَإِلَّا قِيلَ، وَبِأَنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، أَوْ يَقُولَ هُوَ حَقٌّ، أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ؛ كَقَوْلِهِ هُوَ صِدْقٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ صَحِيحٌ أَوْ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي، إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ صِدْقٌ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا قُلْت فَكَلَامُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هُوَ حَقٌّ وَكَمَا قُلْت كَمَا فَعَلَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ، وَكَلَامُ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ مُؤَوَّلٌ بِتَقْدِيرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: ١٠٨] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَلَيْسَ فِي مَنْطُوقِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّكْرَارَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ: وَلَكِنْ الثَّابِتُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ اهـ.

قُلْت: لَكِنْ مُرَادُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ كَالْمُجَدِّدِ إلَخْ أَيْ مَعَ الثَّبَاتِ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ أَنَّ الْإِقْرَارَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بَعْدَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ هَكَذَا: وَلَكِنْ الثَّابِتُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِقْرَارُهُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَهَا. ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْعَقْدِ: وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا النُّطْقِ وَقَالَ هُوَ حَقٌّ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا الْإِقْرَارُ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَيَثْبُتَ عَلَى ذَلِكَ وَيُصِرَّ عَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهَذَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَدَامَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّضَاعَ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَخْفَى لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْنَعْ التَّنَاقُضَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ غَيْرُهُ تَبَيَّنَ لَهُ كَذِبُهُ فَرَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ قَالَ هُوَ حَقٌّ أَوْ نَحْوُهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ وَأَنَّهُ جَازِمٌ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَلَوْ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْفُرْقَةِ وَهُوَ الثَّبَاتُ قَدْ وُجِدَ فَلَا يَنْفَعُهُ الْجُحُودُ بَعْدَهُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا) أَيْ لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّارِعُ لَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهَا بِهَا ط.

(قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ إصْرَارَهُ مُثْبِتٌ لِلْحُرْمَةِ كَمَا عَلِمْت، وَيُفْهَمُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ إصْرَارَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ مَانِعٌ مِنْ تَزَوُّجِهَا بِهِ، وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُؤَيِّدُ عَدَمَهُ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الطَّلَاقِ حَيْثُ قَالَ: قُلْت لِرَجُلٍ: أَنَّهُ أَبِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يُنْكِرُهُ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ أَكَذَبَتْهُ فِيهِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى قَوْلِهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا، حَتَّى لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ.

(قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الصُّغْرَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ بِلَفْظِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>