وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ لَمْ أَرَهُ. (وَلَوْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَالْمَضْمُومَةُ) لِلْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَ رُءُوسُهَا نَحْوَ الْمُخَاطَبِ فَإِنْ نَشَرَ عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ، وَإِنْ ضُمَّا عَنْ نَشْرٍ فَالضَّمُّ ابْنُ كَمَالٍ.
(وَ) يَقَعُ (بِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ رَجْعِيًّا لَوْ مَوْطُوءَةً (أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ، أَوْ أَشَرَّ الطَّلَاقِ،
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُرْتَبِطٌ بِلَفْظِ: طَالِقٌ مُقَدَّرًا، وَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ إنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ لَفْظُ هَكَذَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَدَدُ الَّذِي أُشِيرَ بِهِ إلَيْهِ، وَسَمَّاهُ مُبْهَمًا لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَمِّيَّتِهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ. وَالِاسْمُ الْمُبْهَمُ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَيُفِيدُ الْعِلْمَ بِعَدَدِ الطَّلَاقِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي نَوَاهُ الْمُتَكَلِّمُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِثَلَاثٍ دَلَّ عَلَى عَدَدِ طَلَاقٍ مُقَدَّرٍ نَوَاهُ الْمُتَكَلِّمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَدَدَ فِي أَحَدِهِمَا صَرِيحٌ وَفِي الْآخَرِ غَيْرَ صَرِيحٍ، وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا مُشِيرًا إلَى الْأَصَابِعِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِثَلَاثٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَالْمَضْمُومَةُ) أَرَادَ بِهِ تَقْيِيدَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَتُعْتَبَرُ الْمَنْشُورَةُ لَا الْمَضْمُومَةُ أَيْ تُعْتَبَرُ إذَا أَشَارَ بِبُطُونِهَا، بِأَنْ جَعَلَ بَاطِنَ الْمَنْشُورَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَظَهْرَهَا إلَى نَفْسِهِ، أَمَّا لَوْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا بِأَنْ جَعَلَ ظَهْرَهَا إلَى الْمَرْأَةِ وَبَاطِنَهَا إلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقِيلِ، وَصَرَّحَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَنْشُورَةُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، فَلَا تُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ مُطْلَقًا قَضَاءً لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ، وَتُعْتَبَرُ دِيَانَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ. وَقِيلَ: النَّشْرُ لَوْ عَنْ طَيٍّ وَالطَّيُّ لَوْ عَنْ نَشْرٍ، وَقِيلَ: إنَّ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْمَنْشُورُ وَإِنْ لِلْأَرْضِ فَالْمَضْمُومُ اهـ. وَكَذَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْإِطْلَاقُ، وَعَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُفَصَّلَةُ ضَعِيفَةٌ وَإِنْ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا فِي الْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَيَقَعُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ وُقُوعِ الْبَائِنِ بِوَصْفِ الطَّلَاقِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الشِّدَّةِ وَالزِّيَادَةِ نَهْرٌ، وَفَاعِلُ يَقَعُ قَوْلُهُ الْآتِي وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ (قَوْلُهُ أَلْبَتَّةَ) مَصْدَرُ بَتَّ أَمْرَهُ إذَا قَطَعَ بِهِ وَجَزَمَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَذَكَرَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ دُونَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي بَعْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ لَكِنَّ كَلَامَ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى كُلِّ وَصْفٍ عَلَى أَفْعَلَ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبَيْنُونَةِ، وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ) وَإِنَّمَا وَقَعَ بَائِنًا، لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ سُنِّيٌّ غَالِبًا. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَلَا نِيَّةَ، فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ. قُلْت: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا هُوَ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا نِيَّةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ تَقَعُ السَّاعَةَ أَوْ بَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ بَحْرٌ، لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ بَائِنَةٍ لِلْحَالِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا ذَكَرَهُ، إذْ الْبَائِنُ بِدْعِيٌّ كَمَا مَرَّ. اهـ. قُلْت: وَبِوُقُوعِ الْبَائِنَةِ لِلْحَالِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ هَذَا الْبَابِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْبَائِنِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ حَالَةَ الْحَيْضِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي الْبَيْنُونَةِ فَلَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute