. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
مُحَرَّمَةٍ وَحُرْمَتَكِ، سَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ أَوْ لَا أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ، وَفِي قَوْلِهِ حَرَّمْتُ نَفْسِي لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فِي أَعْقَابِهِ الرَّجْعِيَّةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إنَّمَا هُوَ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَوْ قَالَ مَرَّتَيْنِ وَنَوَى بِالْأُولَى وَاحِدَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ح عَنْ النَّهْرِ.
قُلْت: لَكِنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْوَاحِدَةَ فِي الْأُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْجَوَابِ مَذْكُورٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَمُقْتَضَى الْجَوَابِ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ إيقَاعُ الْبَائِنِ بِهِ فَإِنَّ الْعَامِّيَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ فَضْلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ عَرَّفَهُ إيقَاعَ الْبَائِنِ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ أَنَّ مَنْ حَنِثَ بِهَذَا الْيَمِينِ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْوُقُوعَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ إنَّمَا هُوَ لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَكَذَا عَلَيَّ الْحَرَامُ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُقُوعِ أَصْلًا كَمَا فِي طَلَاقِك عَلَيَّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، فَحَيْثُ كَانَ الْوُقُوعُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِلْعُرْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِهِمَا الْمُتَعَارَفُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ فِي الْأَصْلِ كِنَايَةً يَقَعُ بِهَا الْبَائِنُ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ لَمْ يَبْقَ كِنَايَةً، وَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْكِنَايَةِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ الْمَارِّ إنَّ الْمُتَعَارَفَ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيُّ، حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: بِخِلَافِ فَارِسِيَّةِ قَوْلِهِ سَرَّحْتُكِ وَهُوَ " رهاء كردم " لِأَنَّهُ صَارَ صَرِيحًا فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ نَجْمٌ الزَّاهِدِيُّ الْخُوَارِزْمِيَّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ اهـ وَقَدْ صَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ أَوَّلًا بِأَنَّ: حَلَالَ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْفَارِسِيَّةَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ حَلَالُ " أيزدبروي " أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ لِلْعُرْفِ وَأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَرَّحْتُكِ فَإِنَّ سَرَّحْتُك كِنَايَةٌ لَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُرْسِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الصَّرِيحِ فَإِذَا قَالَ " رهاكردم " أَيْ سَرَّحْتُك يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ كِنَايَةٌ أَيْضًا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُرْسِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الصَّرِيحَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ، لَكِنْ لَمَّا غَلَبَ اسْتِعْمَالُ حَلَالِ اللَّهِ فِي الْبَائِنِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ خَالَفُوا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بِالْحَرَامِ بِلَا نِيَّةٍ حَتَّى لَا يُصَدَّقَ إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ لِأَجْلِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ فِي زَمَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَيَتَوَقَّفُ الْآنَ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعُرْفِ كَمَا فِي زَمَانِهِمْ. وَأَمَّا إذَا تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَائِنًا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ كَمَا فِي فَارِسِيَّةِ سَرَّحْتُكِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّرِيحِ مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِقَوْلِهِ " سن بوش " أَوْ " بوش " أَوَّلَ فِي لُغَةِ التُّرْكِ مَعَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْعَرَبِيَّ أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَهُوَ كِنَايَةٌ لَكِنَّهُ غَلَبَ فِي لُغَةِ التُّرْكِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ مُدَّةٍ مَا عَسَى يَصْلُحُ جَوَابًا، وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ حَرَامٍ مَعْنَاهُ عَدَمُ حِلِّ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْإِيلَاءِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَيَكُونُ بِالطَّلَاقِ الرَّافِعِ لِلْعَقْدِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: بَائِنٌ وَرَجْعِيٌّ، لَكِنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ فَتَعَيَّنَ الْبَائِنُ، وَكَوْنُهُ اُلْتُحِقَ بِالصَّرِيحِ لِلْعُرْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute