للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفْوِيضٌ، وَتَوْكِيلٌ، وَرِسَالَةٌ وَأَلْفَاظُ التَّفْوِيضِ ثَلَاثَةٌ: تَخْيِيرٌ وَأَمْرٌ بِيَدٍ، وَمَشِيئَةٌ.

(قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِك يَنْوِي) تَفْوِيضَ (الطَّلَاقِ) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ (أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا بِهِ) مُشَافَهَةً أَوْ إخْبَارًا (وَإِنْ طَالَ) يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يُوَقِّتْهُ وَيَمْضِي الْوَقْتُ

ــ

[رد المحتار]

غَيْرِهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ تَفْوِيضٌ وَتَوْكِيلٌ) الْمُرَادُ بِالتَّفْوِيضِ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ كَمَا يَأْتِي.

وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ مَنَاطَ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ مَرَّةً بِأَنَّ الْمَالِكَ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّأْيِ عَمَلٌ بِمَا يَرَاهُ أَصْوَبَ بِلَا اعْتِبَارِ كَوْنِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَشِيئَتِهِ أَيْ بِاخْتِيَارِهِ ابْتِدَاءً بِلَا اعْتِبَارِ مُطَابَقَةِ أَمْرِ الْآمِرِ وَلَا اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَصْوَبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا بَحَثَ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ الْفَرْقَ الثَّالِثَ أَصْوَبُ (قَوْلُ وَرِسَالَةٌ) كَأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: اذْهَبْ إلَى فُلَانَةَ وَقُلْ لَهَا إنَّ زَوْجَكِ يَقُولُ لَك اخْتَارِي، فَهُوَ نَاقِلٌ لِكَلَامِ الْمُرْسِلِ لَا مُنْشِئٌ لِكَلَامِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ بِالِاسْتِقْرَاءِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالِاخْتِيَارِ لِثُبُوتِهِ بِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَصْلًا عَلَى حِدَةٍ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ يَفْصِلُ بِهِ عَمَّا قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ، فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْبَابِ نَهْرٌ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفْوِيضَ أَعَمُّ فَنَاسَبَ أَنْ يُتَرْجِمَ لَهُ بِالْبَابِ، وَالثَّلَاثَةُ أَنْوَاعُهُ فَنَاسَبَ أَنْ يُتَرْجِمَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِفَصْلٍ لَكِنْ لَمْ يُتَرْجِمْ بِهِ لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ كَلَامٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْمُصَنِّفِ لِلثَّانِي بِالْبَابِ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ (قَوْلُهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي) أَشَارَ بِعَدَمِ ذِكْرِ قَبُولِهَا إلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ، وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ كَانَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالرَّجْعِيِّ وَتَرْكِهِ ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِك) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِذِكْرِ أَحْكَامِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ يَأْتِي ط (قَوْلُهُ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ) دَلَّ عَلَى هَذَا الْمُضَافِ عَقْدُ الْبَابِ لَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا كِنَايَةٌ) أَيْ مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً فِي حَالَةِ الرِّضَا، أَمَّا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا تَمَحَّضَ لِلْجَوَابِ كَمَا مَرَّ وَلَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي كَلَامِهَا فَقَطْ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ) هَذَا تَفْوِيضٌ بِالصَّرِيحِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَالْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيٌّ؛ وَتَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَجْلِسِهِ، فَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَامَ هُوَ لَمْ يَبْطُلْ، بِخِلَافِ قِيَامِهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ ط (قَوْلُهُ مُشَافَهَةً) أَيْ فِي الْحَاضِرَةِ أَوْ إخْبَارًا فِي الْغَائِبَةِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ عِلْمِهَا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُوَقِّتْهُ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا الْيَوْمَ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَلَوْ مَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ عَلِمَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ عَنْ يَدِهَا، وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ قَيَّدَ التَّفْوِيضَ بِهِ وَهِيَ غَائِبَةٌ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى انْقَضَى بَطَلَ خِيَارُهَا فَتْحٌ وَبَحْرٌ وَسَيَأْتِي فُرُوعٌ فِي التَّوْقِيتِ آخِرَ الْبَابِ وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْمُوَقَّتُ بِالْإِعْرَاضِ.

(قَوْلُهُ وَيَمْضِي الْوَقْتُ) مَعْطُوفٌ عَلَى يُوَقِّتُهُ الْمَجْزُومِ، وَإِثْبَاتُ الْيَاءِ فِيهِ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ أَوْ عَلَى لُغَةٍ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ الَّتِي يُجَابُ بِهَا عَنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: ٩٠] فِي قِرَاءَةِ رَفْعِ يَصْبِرُ؛ فَالْمَعْنَى لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ مُدَّةُ عَدَمِ تَوْقِيتِهِ، وَمَضَى الْوَقْتُ بِأَنْ لَمْ يُوَقِّتْهُ أَوْ وَقَّتَهُ وَلَمْ يَمْضِ، فَإِنْ وَقَّتَهُ وَمَضَى سَقَطَ الْخِيَارُ، وَأَمَّا جَعْلُهُ مَرْفُوعًا فَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ فَهُوَ فَاسِدٌ صِنَاعَةً وَمَعْنًى؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>