للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ مُحَكَّمٍ بَلْ إفْتَاءِ عَدْلٍ

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا عَقَدَ أَيْمَانًا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا قَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَهُ ارْتَفَعَتْ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا، وَإِذَا عَقَدَ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِ الْفَسْخِ فِي كُلِّ يَمِينٍ اهـ فَهِيَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ حَنَفِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَحْوَطَ اهـ. وَمَحَلُّ الْفَسْخِ مِنْ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالتَّنْجِيزِ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يُفِيدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْقَاضِي عَلَيْهِ مَالًا فَلَوْ أَخَذَ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا إنْ أَخَذَ عَلَى الْكِتَابَةِ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ أَزْيَدَ لَا يَنْفُذُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مُطْلَقًا. اهـ.

[تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ يَرَاهَا رَجْعِيَّةً وَهُوَ يَرَاهَا بَائِنَةً فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا. وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ هَذَا إنْ قَضَى لَهُ، فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهَا يَتَّبِعُ رَأْيَ الْقَاضِي إجْمَاعًا، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا لَهُ رَأْيٌ وَاجْتِهَادٌ، فَلَوْ عَامِّيًّا اتَّبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي سَوَاءٌ قَضَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا قَضَى لَهُ، أَمَّا إنْ أَفْتَى لَهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ اهـ أَيْ فَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ اتِّبَاعُ قَوْلِ الْمُفْتِي كَمَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ اتِّبَاعُ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْلِيدِ مَعَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ سَوَاءٌ وَافَقَ رَأْيَ الزَّوْجِ أَوْ خَالَفَهُ، وَكَذَا مَعَ الْإِفْتَاءِ لَوْ الزَّوْجُ جَاهِلًا (قَوْلُهُ بَلْ مُحَكَّمٍ) فِي الْخَانِيَّةِ: حُكْمُ الْمُحَكَّمِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ الصَّدْرِ أَقُولُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْجُهَّالُ إلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ إفْتَاءِ عَدْلٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ وَهُوَ فَسْخٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ حَلَّ لَهُ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُهَا. وَرُوِيَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا. وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِالْحِلِّ ثُمَّ أَفْتَاهُ آخَرُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَ مَا عَمِلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِفَتْوَى الثَّانِي فِي حَقِّ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا فِي حَقِّ الْأُولَى، وَيَعْمَلُ بِكِلَا الْفَتْوَتَيْنِ وَفِي حَادِثَتَيْنِ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ. اهـ.

قُلْت: يَعْنِي أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُفْتِي صَاحِبَ الْحَادِثِ بِمَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى فَسْخِ الْيَمِينِ، فَلَا يَقُولُ لَهُ ارْفَعْ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ أُحَكِّمُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ اسْتَفْتِهِ، بَلْ يَقُولُ يَقَعُ عَلَيْك الطَّلَاقُ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَا يَهْدِمُ مَذْهَبَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُفْتِيهِ بِفَسْخِ الْيَمِينِ إذَا فَعَلَ صَاحِبُ الْحَادِثَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي. عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْحَنَفِيِّ أَنْ يُفْتِيَهُ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ.

لَا يُقَالُ: إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَكَيْفَ لَا يُفْتِيهِ بِهِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ بِالْوُقُوعِ، وَأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي الْإِفْتَاءُ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَكَوْنُهَا أَفْتَى بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ لَا يُنَافِي ضَعْفَهَا، وَلِذَا تَقَدَّمَ عَنْ الصَّدْرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ، فَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَبَنَوْا الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى بِنَائِهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُجْتَبَى الْمَارُّ فَافْهَمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>