للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ لَا يَرْجِعُ الدَّارَ ثُمَّ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ لَا يَحْنَثُ.

حَلَفَ لَيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ الْيَوْمَ وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ

ــ

[رد المحتار]

وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ بِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ، وَهُوَ مِثْلُ السُّلْطَانِ إذَا حَلَّفَ إنْسَانًا لَيَرْفَعَنَّ إلَيْهِ خَبَرَ كُلِّ دَاعِرٍ فِي الْمَدِينَةِ كَانَ عَلَى مُدَّةِ وِلَايَتِهِ، فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ وَمِثْلُهُ تَحْلِيفُ رَبِّ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَرْجِعُ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ خَرَجَ مَعَ الْوَلِيِّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي فَسَقَطَ مِنْ الْحَالِفِ شَيْءٌ فَرَجَعَ لِأَجْلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الرُّجُوعَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ عَادَةً اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ الرُّجُوعُ بِمَعْنَى تَرْكِ الذَّهَابِ مَعَهُ، فَإِذَا رَجَعَ لِحَاجَةٍ عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ.

مَطْلَبٌ الْيَمِينُ تَتَخَصَّصُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَخَصَّصَتْ الْيَمِينُ فِيهِمَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ مُخَصِّصَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ لَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِهَذَا النَّهْيَ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ عَادَةً، كَمَا لَا يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَفِيهَا أَيْضًا: اتَّهَمَتْهُ امْرَأَتُهُ بِجَارِيَةٍ فَحَلَفَ لَا يَمَسُّهَا انْصَرَفَ إلَى الْمَسِّ الَّذِي تَكْرَهُ الْمَرْأَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ وَضَعْت يَدِي عَلَى جَارِيَتِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَضَرَبَهَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ يَمِينُهُ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ وَلِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْوَضْعَ لِغَيْرِ الضَّرْبِ. اهـ.

قُلْت: وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْحَنَابِلَةِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ قُلْت لِي كَلَامًا وَلَمْ أَقُلْ لَك مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا مِثْلَهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ مُخَصَّصٌ بِمَا كَانَ سَبًّا أَوْ دُعَاءً أَوْ نَحْوَهُ إذْ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَنْ يَقُولَ لَهَا مِثْلَهُ بَلْ أَرَادَ الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ سَبَبَ حَلِفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي لِلزَّاهِدِيِّ مَعْزِيًّا لِلْوَبَرِيِّ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ عَالِمًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهُ بِالْفِعْلِ، فَيَنْصَرِفُ إلَى التَّلَفُّظِ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ مِنْ دَارِي، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ كَمَا فِي لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَكَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ الْحِنْثِ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اُخْرُجْ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهَا لِإِمْكَانِ صَرْفِ الْيَمِينِ إلَى التَّلَفُّظِ الْمَذْكُورِ بِقَرِينَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْحَقِيقَةِ.

مَطْلَبٌ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الدَّارِ

كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَقَدْ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لِلْحَالِفِ فَالْمَنْعُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَإِلَّا فَبِالْقَوْلِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ بِالْفِعْلِ؛ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ آجَرَهُ الدَّارَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَبَرُّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ مِنْ دَارِي. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَكَ الْمَنَافِعَ فَصَارَ الْحَالِفُ كَالْأَجْنَبِيِّ الَّذِي لَا مِلْكَ لَهُ فِي الدَّارِ. وَأَمَّا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ قَالَ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ وَإِلَّا فَعَلَى النَّهْيِ وَالْمَنْعِ جَمِيعًا، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْته فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ ذِكْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَلِفِهِ لَا يَدَعُهُ أَوْ لَا يَتْرُكُهُ.

فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ؛ إنْ أَدْخَلْت فُلَانًا بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، فَالْيَمِينُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>